عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ١٥٠
للقبلة، ولا عن يمينه تشريفا لليمين، وجاء في رواية البخاري: (فإن عن يمينه ملكا)، وعند ابن أبي شيبة بسند صحيح: (لا يبزق عن يمينه فعن يمينه كاتب الحسنات، ولكن يبزق عن شماله أو خلف ظهره). وقوله: (فإن عن يمينه ملكا) دليل على أنه لا يكون حالتئذ عن يساره ملك، لأنه في طاعة فإن قلت: يخدش في هذا قوله: (إن الكرام الكاتبين لا يفارقان العبد إلا عند الخلاء والجماع). قلت: هذا حديث ضعيف لا يحتج به. قال النووي: هذا في غير المسجد، أما فيه فلا يبزق إلا في ثوبه.
قلت: وسياق الحديث على أنه في المسجد. واعلم أن البصاق في المسجد خطيئة مطلقا، سواء احتاج إليه أم لا، فإن احتاج يبزق في ثوبه، فإن بزق في المسجد يكون خطيئة وعليه أن يكفر هذه الخطيئة بدفنه، وقال القاضي عياض: البزاق ليس بخطيئة إلا في حق من لم يدفنه، فأما من أراد دفنه فليس بخطيئة، وهذا غير صحيح، والحق ما ذكرناه. واختلفوا في المراد: بدفنه، فالجمهور على أنه الدفن في تراب المسجد ورمله وحصياته إن كانت فيه هذه الأشياء، وإلا يخرجها. وعن أصحاب الشافعي قولان: أحدهما إخراجه مطلقا، وهو المنقول عن الروياني، فإن لم تكن المساجد تربة وكانت ذات حصير فلا يجوز احتراما للمآلية، وفيه أن البزاق طاهر، وكذا النخامة طاهرة، وليس فيه خلاف إلا ما حكي عن إبراهيم النخعي يقول: البزاق نجس. وقال القرطبي: الحديث دال على تحريم البصاق في القبلة، فإن الدفن لا يكفيه. قيل: هو كما قال. وقيل: دفنه كفارته. وقيل: النهي فيه للتنزيه، والأصح أنه للتحريم، وفي (صحيحي) ابن خزيمة وابن حبان، من حديث حذيفة مرفوعا: (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه). وفي رواية لابن خزيمة، من حديث ابن عمر، مرفوعا: (يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه). وروى أبو داود من حديث أبي سهلة السائب بن خلاد، قال أحمد، من أصحاب النبي: (إن رجلا أم قوما فبصق في القبلة ورسول الله ينظر، فقال رسول الله حين فرغ: لا يصلي لكم، فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول ا، فذكر ذلك لرسول الله فقال: نعم، وحسبت أنه قال: إنك آذيت ا ورسوله). والمعنى: أنه فعل فعلا لا يرضي ا ورسوله. وروى أبو داود أيضا من حديث جابر أنه قال: (أتانا رسول الله في مسجدنا هذا، وفي يده عرجون ابن طاب...)، ذكرناه في أول الباب، وفي رواية مسلم: (ما بال أحدكم يقوم يستقبل ربه، عز وجل، فيتنخع أمامه، أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟...) الحديث.
60407 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فقال: (إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى). (الحديث 604 أطرافه في: 357، 3121، 1116).
مطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث إن المتبادر إلى الفهم من إسناد الحك إليه أنه كان بيده، وأن المعهود من جدار القبلة، جدار قبلة مسجد رسول ا، وبهذا التقدير يسقط سؤال من يقول: إن هذا الحديث لا يدل إلا على بعض الترجمة، ولا يعلم أن الحك كان بيده ولا من المسجد فافهم.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب وغيره. وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى. وأخرجه النسائي عن قتيبة، ثلاثتهم عنه به.
قوله: (في جدار القبلة)، وفي رواية المستملي: (في جدار المسجد)، وفي رواية للبخاري في أواخر الصلاة من طريق أيوب عن نافع: (في قبلة المسجد) وزاد فيه: (ثم نزل فحكها بيده)، وفيه إشعار بأنه كان في حالة الخطبة، وصرح الإسماعيلي بذلك في رواية من طريق شيخ البخاري، وزاد فيه أيضا قال: (وأحسبه دعا بزعفران فلطخه به)، وزاد عبد الرزاق في رواية عن معمر عن أيوب، فلذلك صنع الزعفران في المساجد. قوله: (فإن ا قبل وجهه)، بكسر القاف وفتح الباء، أي: جهة وجهه، وهذا أيضا على سبيل التشبيه، أي كأن ا تعالى في مقابل وجهه. وقال النووي: فإن ا قبل الجهة التي عظمها، وقيل: فإن قبله ا وقبله ثوابه ونحو ذلك، فلا يقابل هذه الجهة بالبزاق الذي هو الاستخفاف لمن يبزق إليه وتحقيره.
70417 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»