عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ١٤٩
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهذا الإسناد بعينه تقدم في باب خوف المؤمن أن يحبط عمله.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في باب كفارة البزاق في المسجد، وفي باب إذا بدره البزاق وفي باب لا يبصق عن يمينه في الصلاة، وفي باب ليبصق عن يساره، وفي باب ما يجوز من البزاق، وفي باب المصلي يناجي ربه. وأخرجه مسلم أيضا. وأخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي، وفي هذا الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد وعائشة يأتي عن قريب، وحديث النسائي عن أنس قال: (رأى رسول الله نخامة في قبلة المسجد فغضب حتى احمر وجهه، فقامت امرأة من الأنصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقا، قال رسول ا: ما أحسن هذا) وفي كتاب (المساجد) لأبي نعيم: (من ابتلع ريقه إعظاما للمسجد ولم يمح اسما من أسماء ا تعالى ببزاق كان من خيار عباد ا). وفي سنده ضرار بن عمرو، وفيه كلام، وذكر ابن خالويه في هذا (أن النبي لما رأى النخامة في المحراب قال: من إمام هذا المسجد؟ قالوا؛ فلان. قال: قد عزلته، فقالت امرأته: لم عزل النبي زوجي عن الإمامة؟ فقال: رأى نخامة في المسجد فعمدت إلى خلوق طيب فخلقت به المحراب، فاجتاز عليه الصلاة والسلام بالمسجد فقال: من فعل هذا؟ قال: امرأة الإمام قال: قد وهبت ذنبه لامرأته ورددته إلى الإمامة). فكان هذا أول خلوق كان في الإسلام.
ذكر معناه قوله: (نخامة)، بضم النون: النخاعة، وقد ذكره البخاري بهذا اللفظ في باب الالتفات. يقال: تنخم الرجل إذا تنخع. وفي (المطالع): النخامة ما يخرج من الصدر وهو البلغم اللزج. وفي (النهاية): النخامة البزقة التي تخرج من الرأس. ويقال: النخامة ما يخرج من الصدر. والبصاق ما يخرج من الفم، والمخاط ما يسيل من الأنف. قوله: (في القبلة) أي: في حائط من جهة قبلة المسجد. قوله: (حتى رؤي في وجهه)، بضم الراء وكسر الهمزة وفتح الياء، أي: شوهد أثر المشقة في وجهه، وقد ذكرنا أن في رواية النسائي: (فغضب حتى أحمر وجهه)، وللبخاري في الأدب من حديث ابن عمر: (فتغيظ على أهل المسجد). قوله: (إذا قام في صلاته)، الفرق بين: قام في الصلاة، وقام إلى الصلاة، أن الأول يكون بعد الشروع، والثاني عند الشروع. قوله: (فإنه)، الفاء: فيه جواب: إذا، والجملة الشرطية، قائمة مقام خبر المبتدأ. قوله: (يناجي ربه)، من المناجاة. قال النووي: المناجاة إشارة إلى إخلاص القلب وحضوره وتفريغه لذكر ا تعالى. قلت: المناجاة والنجوى هو السر بين الاثنين، يقال: ناجيته إذا ساررته، وكذلك نجوت نجوى، ومناجاة الرب مجاز لأن القرينة صارفة عن إرادة الحقيقة، إذ لا كلام محسوسا، إلا من طرف العبد، فيكون المراد لازم المناجاة وهو إرادة الخير، ويجوز أن تكون من باب التشبيه أي: كأنه ربه ينادي، والتحقيق فيه أنه شبه العبد وتوجهه إلى ا تعالى في الصلاة وما فيها من القراءة والأذكار وكشف الأسرار واستنزال رحمته ورأفته مع الخضوع والخشوع. بمن يناجي مولاه ومالكه، فمن شرائط حسن الأدب أن يقف محاذيه ويطرق رأسه ولا يمد بصره إليه ويراعي جهة أمامه حتى لا يصدر من تلك الهيئات شيء وإن كان ا تعالى منزها عن الجهات، لأن الآداب الظاهرة والباطنة مرتبط بعضها ببعض. قوله: (أو أن ربه بينه وبين القبلة)، كذا هو بالشك في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي والحموي: بواو، العطف ولا يصح حمل هذا الكلام على ظاهره، لأن ا تعالى منزه عن الحلول في المكان، فالمعنى على التشبيه، أي: كأنه بينه وبين القبلة، وكذا معنى قوله في الحديث الذي بعده: (فإن ا قبل وجهه). وقال الخطابي: معناه أن توجهه إلى القبلة مفض بالقصد منه إلى ربه، فصار في التقدير كأن مقصوده بينه وبين قبلته، فأمر أن تصان تلك الجهة عن البزاق ونحوه من أثقال البدن. قوله: (قبل)، بكسر القاف وفتح الباء الموحدة. أي: جهة القبلة. قوله: (أو تحت قدمه اليسرى) كما في حديث أبي هريرة أي: في الباب الذي بعده، وزاد أيضا من طريق همام عن أبي هريرة: (فيدفنها)، كما سيأتي إن شاء ا تعالى. قوله: (ثم أخذ طرف ردائه...) الخ، فيه البيان بالفعل ليكون أوقع في نفس السامع. قوله: (أو يفعل هكذا) عطف على المقدر بعد حرف الاستدراك، أي: ولكن يبزق عن يساره أو يفعل هكذا، وليست كلمة: أو، ههنا للشك بل للتنويع، ومعناه أنه: مخير بين هذا وهذا.
ذكر ما يستنبط منه فيه: تعظيم المساجد عن إثقال أبدن، وعن القاذورات بالطريق الأولى. وفيه: احترام جهة القبلة. وفيه: إزالة البزاق وغيره من الأقذار من المسجد. وفيه: أنه إذا بزق يبزق عن يساره ولا يبزق أمامه تشريفا
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»