عمر ذات يوم بالناس الجمعة في يوم شديد الحر، فطرح طرف ثوبه بالأرض فجعل يسجد عليه، ثم قال: يا أيها الناس إذا وجد أحدكم الحر فليسجد على طرف ثوبه). ورواه زيد بن وهب عن عمر بنحوه، وأمر به إبراهيم أيضا وعطاء، وفعله مجاهد. وقال الحسن: لا بأس به، وحكاه ابن المنذر أيضا عن الشعبي وطاوس والأوزاعي والنخعي والزهري ومكحول ومسروق وشريح. وقال صاحب (التهذيب) من الشافعية: وبه قال أكثر العلماء، والحديث حجة على الشافعي حيث لم يجوز ذلك. وقال النووي: حمله الشافعي على الثوب المنفصل، قلنا: لفظ: ثوبه، دل على المتصل به من حيث اللفظ، وهو تعقيب السجود بالبسط، كما في رواية مسلم وأبي داود، وكذا دل على المتصل به من خارج اللفظ، وهو قلة الثياب عندهم. فإن قلت: أيد البيهقي حمل الشافعي على الثوب المنفصل بما رواه الإسماعيلي في هذا الحديث بلفظ: (فيأخذ أحدنا الحصى في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه). قال: فلو جاز السجود على شيء متصل به لما احتاجوا إلى تبريد الحصى مع طول الأمر فيه.
قلت: ورد هذا باحتمال أن يكون الذي كان يبرد الحصى لم يكن في ثوبه فضلة يسجد عليها مع بقاء سترة له. فإن قلت: احتج الشافعي بحديث خباب قال: (شكونا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، حر الرمضاء في جباهنا فلم يشكنا). أي: فلم يزل شكوانا، وبما روى عنه أنه قال: (ترب جبينك يا رباح). قلت: حديث خباب ليس فيه ذكر الجباه والأكف في المسانيد المشهورة، ثبت فهو محمول على التأخير الكثير حتى تبرد الرمضاء، وذلك يكون في أرض الحجاز بعد العصر. ويقال: إنه منسوخ بقوله: (أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم). ويدل عليه ما رواه عبد ا بن عبد الرحمن قال: (جاءنا رسول ا عليه الصلاة والسلام، فصلى بنا في مسجد بني عبد الأشهل، فرأيته واضعا يديه في ثوبه إذا سجد). رواه أحمد وابن ماجة. فإن قلت: هذا محمول على الثوب المنفصل الذي لا يتحرك بحركته.
قلت: هذا بعيد لقوله: (بسط ثوبه فسجد عليه). إذ: الفاء، فيه للتعقيب. وكل حديث احتج به الشافعي في هذا الباب فهو محتمل، وما احتج به غيره من الأئمة المذكورين فهو محكم، فيحمل المحتمل على المحكم على أنه قد روي عن جماعة من الصحابة أنهم رووا سجوده، عليه الصلاة والسلام، على كور عمامته. منهم: أبو هريرة، أخرج حديثه عبد الرزاق في (مصنفه). وابن عباس، أخرج حديثه أبو نعيم في (الحلية). وعبد ا بن أبي أوفي، أخرج حديثه الطبراني في (الأوسط)، وجابر أخرج حديثه ابن عدي في (الكامل). وأنس أخرج حديثه ابن أبي حاتم في كتابه (العلل). وابن عمر أخرج حديثه الحافظ أبو القاسم تمام بن محمد الرازي في (فوائده). فإن قلت: قال البيهقي في (المعرفة): أما ما روى أن النبي كان يسجد على كور عمامته فلا يثبت منه شيء. قلت: حديث ابن عمر وابن عباس وابن أبي أوفى جياد، وما كان منه من الضعيف يشتد بالقوي، وقد مر الكلام فيه مستوفى في هذا الباب. وبما ذكرنا ههنا يحصل الجواب عما قاله الكرماني في هذا الباب من فرقه بين المحمول المتحرك وغيره، والاستدلال بقوله: (ترب وجهك)، وحديث الباب أيضا يرد ما ذكره من قوله: والقياس على سائر الأعضاء قياس بالفارق، وقياس في مقابلة النص.
قلنا: لا نسلم ذلك لأنا عملنا أولا بالحديث الذي ورد في هذا الباب، وبالقياس أيضا، فهذا أقوى. وقوله: ثبت أنه كان يباشر الأرض بوجهه في سجوده، فنقول: باشر أيضا ثوبه في سجوده، كما مر، وبدليل ما لو سجد على البساط يجوز بالإجماع، فإن احتج بقوله: (مكن جبهتك وأنفك من الأرض)، فنقول بموجبه، وهو وجدان حجم الأرض حتى إذا امتنع حجمها لا يجوز. وقال بعضهم: فيه أي في حديث الباب تقديم الظهر في أول الوقت قلنا: ظاهر الأحاديث الواردة في الأمر بالإيراد بالظهر يعارضه، ودفعها إما بأن نقول: إن التقديم رخصة والإيراد سنة، فإذا قلنا: أحاديث الأمر بالإيراد ناسخة لا يبقى تعارض. فافهم.
ومما يستنبط من الحديث المذكور أن العمل اليسير في الصلاة عفو، لأن وضع طرف الثوب في موضع السجود، عمل. وا أعلم.
42 ((باب الصلاة في النعال)) أي: هذا باب في بيان حكم الصلاة في النعال، أي: على النعال أو؛ بالنعال، لأن الظرفية غير صحيحة.
والمناسبة بين البابين من حيث إن في الباب السابق تغطية الوجه بالثوب الذي يسجد عليه، وفي هذا الباب تغطية بعض القدمين.