عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٧٦
والتبرك به، وهذا هو الظاهر. قلت: فعلى هذا لا تطابق بينه وبين ترجمة الباب، والعجب من ابن بطال حيث يقول بالاحتمال في الذي يدل على هذا الحديث على التبرك والتيمن ظاهرا، ويقول بالجزم في الذي يحتمل غيره.
189 حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني محمود بن الربيع قال وهو الذي مج رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وهو غلام من بئرهم.
.
هذا الحديث لا يطابق الترجمة أصلا، وإنما يدل على ممازحة الطفل بما قد يصعب عليه، لأن مج الماء قد يصعب عليه، وإن كان قد يستلذه.
وقد أخرج البخاري هذا الحديث في كتاب العلم في باب: متى يصح سماع الصغير، وقد مر الكلام فيه مستوفى من جمع الوجوه.
وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، أحد الأعلام، وصالح هو ابن كيسان، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري. والربيع بفتح الراء.
قوله: (من بئرهم)، يتعلق بقوله: (مج). وقوله: (وهو غلام) جملة اسمية وقعت حالا. وقوله: (وهو الذي مج) إلى لفظ: (بئرهم)، كلام لابن شهاب ذكره تعريفا أو تشريفا، والضمير في بئرهم: لمحمود وقومه بدلالة القرينة عليه، والذي اخبر به محمود هو قوله: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو.
وقال عروة عن المسور وغيره يصدق كل واحد منهما صاحبه وإذا وضأ النبي صلى الله عليه وسلم كادوا يقتتلون على وضوئه عروة: هو ابن الزبير بن العوام تقدم. المسور، بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو: ابن مخرمة، بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء: الزهري ابن بنت عبد الرحمن بن عوف، قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين، وصح سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، روي له اثنان وعشرون حديثا، ذكر البخاري منها ستة، فأصابه حجر من أحجار المنجنيق وهو يصلي في الحجر، فمكث خمسة أيام ثم مات زمن محاصرة الحجاج مكة سنة أربع وستين. والألف واللام فيه كالألف واللام في: الحارث، يجوز إثباتها ويجوز نزعها وهو في الحالتين علم.
قوله: (يصدق كل واحد منهما صاحبه) أي: يصد كل من المسور ومروان صاحبه، لأن المراد من قوله: وغيره، وهو مروان على ما يأتي. وقد خبط الكرماني هنا خباطا فاحشا، وسأبنيه عن قريب إن شاء الله تعالى. قوله: (وغيره) يريد به مروان بن الحكم، لأن البخاري أخرج هذا التعليق في كتاب الشروط في باب الشروط في الجهاد موصولا، فقال: حدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال: أخبرني الزهري، قال: أخبرني عروة ابن الزبير عن المسور ابن مخرمة ومروان، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية...) الحديث وهو طويل جدا إلى أن قال: (ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي، عليه الصلاة والسلام، بعينيه. قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم، نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كانوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له...) إلى آخر الحديث. والمراد من قوله: ثم إن عروة، وهو عروة بن مسعود أرسله كفار مكة إلى النبي، عليه الصلاة والسلام، زمن الحديبية. قوله: (وإذا توضأ) الضمير فيه يرجع إلى النبي، عليه الصلاة والسلام، والحاكي هو عروة بن مسعود لأنه هو الذي شاهد من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، ما كانوا يفعلون بين يدي النبي، عليه الصلاة والسلام. وهو أيضا أخبر بذلك لأهل مكة، كما ستقف على الحديث بطوله. قوله: (كانوا يقتتلون) كذا هو في رواية أبي ذر، وفي، رواية الباقين: (كادوا يقتتلون). قال بعضهم: هو الصواب، لأنه لم يقع بينهم قتال. قلت: كلاهما سواء، والمراد به المبالغة في ازدحامهم على نخامة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى وضوئه. وأما الكرماني فإنه قال: أولا: فإن قلت: هو رواية عن المجهول ولا اعتبار به. قلت: الغالب أن عروة لا يروى إلا عن العدل، فحكمه حكم المعلوم. وأيضا هو مذكور على سبيل التبعية، ويحتمل في التابع ما لا يحتمل في غيره. أقول
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»