فتخصيص السويق بالذكر لماذا؟ وقوله: ولعله... إلى آخره، أبعد من الجواب الأول، لأنه عقد على السويق بابا، فلا يذكر إلا في بابه، وذكره إياه ههنا لا طائل تحته. لأنه لا يفيد شيئا زائدا.
وجه المناسبة بين البابين ظاهر، لأن أكثر هذه الأبواب في أحكام الوضوء.
وأكل أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم يتوضؤوا ليس في رواية أبي ذر لحما، وإنما روى: أكل أبو بكر وعمر وعثمان فلم يتوضؤوا، ووجد ذلك في رواية الكشميهني، والأولى أعم، لأن فيها حذف المفعول، وهو يتناول أكل كل ما مسته النار لحما أو غيره، وكذا وصل هذا التعليق الطبراني في (مسند الشاميين) بإسناد حسن من طريق سليمان بن عامر، قال: (رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضؤوا) وروى ابن أبي شيبة عن هيثم: أخبرنا علي بن زيد حدثنا محمد بن المنكدر، قال: (أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان خبزا ولحما فصلوا ولم يتوضؤوا) ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر عن ابن عيينة حدثنا ابن عقيل فذكره مطولا، ورواه ابن حبان عن عبد الله بن محمد حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا أبو علقمة عبد الله بن محمد بن أبي فروة حدثني محمد بن المنكدر عنه، ورواه ابن خزيمة حدثنا موسى بن سهل حدثنا علي بن عباس حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن ابن المنكدر، وروى الطحاوي عن أبي بكرة، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا رباح بن أبي معروف عن عطاء عن جابر، قال: (أكلنا مع أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، خبزا ولحما ثم صلى ولم يتوضأ). وأخرجه الطحاوي من عشر طرق، وروى أيضا عن جماعة من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، نحوه. قوله: (فلم يتوضؤوا): غرضه منه بيان الإجماع السكوتي.
70 - (حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس أن رسول الله أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ) مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.
(بيان رجاله) وهم خمسة. كلهم ذكروا. ومن لطائف إسناده التحديث بصيغة الجمع والإخبار بصيغة الجمع والعنعنة.
(بيان من أخرجه غيره) أخرجه مسلم وأبو داود جميعا في الطهارة عن القعنبي عن مالك.
(بيان المعنى) قوله ' أكل كتف شاة ' أي أكل لحمه وفي لفظ للبخاري في الأطعمة ' تعرق ' أي أكل ما على العرق بفتح العين المهملة وسكون الراء وهو العظم ويقال له العراق بالضم أيضا وفي لفظ ' انتشل عرقا من قدر ' وعند مسلم ' أنه أكل عرقا أو لحما ثم صلى ولم يتوضأ ولم يمس ماء ' ورواه أبو إسحاق السراج في مسنده بزيادة ' ولم يمضمض ' وفي مسند أحمد ' انتهش من كتف ' وعند ابن ماجة ' ثم مسح يده بمسح كان تحته ' وفي المنصف ' أكل من عظم أو تعرق من ضلع ' وفي سنن أبي داود ' فرأيته يسيل على لحيته أمشاج من دم دما ثم قام إلى الصلاة ' وفي مسند القاضي إسماعيل بن إسحاق كان ذلك في بيت ضباعة بنت الحارث بن عبد المطلب وهي بنت عم النبي .
(بيان الحكم) وهو أكل ما مسته النار لا يوجب الوضوء وهو قول الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد واسحق وأبي ثور وأهل الشام وأهل الكوفة والحسن بن الحسن والليث بن سعد وأبو عبيد وداود بن علي وابن جرير الطبري إلا أن أحمد يرى الوضوء من لحم الجزور فقط وقال ابن المنذر وكان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وأبي بن كعب وأبو الدرداء لا يرون الوضوء مما مست النار وقال الحسن البصري والزهري وأبو قلابة وأبو مجلز وعمر بن عبد العزيز يجب الوضوء مما غيرت النار وهو قول زيد بن ثابت وأبي طلحة وأبي موسى وأبي هريرة وأنس وعائشة أم المؤمنين وأم حبيبة أم المؤمنين وأبي أيوب * واحتجوا بأحاديث كثيرة * منها حديث أبي طلحة صاحب رسول الله ' عن رسول الله أنه أكل ثور أقط فتوضأ منه قال عمر والثور القطعة ' رواه الطحاوي بإسناد صحيح والطبراني في الكبير * ومنها حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه عن رسول الله قال ' توضؤا مما غيرت النار ' رواه الطحاوي والنسائي والطبراني في الكبير * ومنها حديث أم حبيبة قالت ' أن رسول الله قال