المفعول ينبئ عن العموم قوله فلا يمس ذكره بيمينه النهي فيه تنزيه لها عن مبشارة العضو الذي يكون فيه الأذى والحدث وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل يمناه لطعامه وشرابه ولباسه مصونة عن مباشرة الثفل ومماسة الأعضاء التي هي مجاري الأثفال والنجاسات ويسراه لخدمة أسافل بدنه وإماطة ما هناك من القاذورات وتنظيف ما يحدث فيها من الأدناس فإن قلت الحديث يقتضي النهي عن مس الذكر باليمين حالة البول وكيف الحكم في غير هذه الحالة قلت روى أبو داود بسند صحيح من حديث عائشة رضي الله عنها قالت كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى وأخرجه بقية الجماعة أيضا وروى أيضا من حديث حفصة زوج النبي عليه الصلاة والسلام قالت كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه ولباسه ويجعل شماله لما سوى ذلك وظاهر هذا يدل على عموم الحكم على أنه قد روي النهي عن مسه باليمين مطلقا غير مقيد بحالة البول فمن الناس من أخذ بهذا المطلق ومنهم من حمله على الخاص بعد أن ينظر في الروايتين هل هما حديثان أو حديث واحد فإن كانا حديثا واحدا مخرجه واحد واختلفت فيه الرواة فينبغي حمل المطلق على المقيد لأنها تكون زيادة من عدل في حديث واحد فتقبل وإن كانا حديثين فالأمر في حكم الإطلاق والتقييد على ما ذكر فإن قلت النهي فيه تنزيه أو تحريم قلت للتنزيه عند الجمهور لأن النهي فيه لمعنيين أحدهما لرفع قدر اليمين والآخر أنه لو باشر النجاسة بها يتذكر عند تناوله الطعام ما باشرت يمينه من النجاسة فينفر طبعه من ذلك وحمله أهل الظاهر على التحريم حتى قال الحسين بن عبد الله الناصري في كتابه البرهان على مذهب أهل الظاهر ولو استنجى بيمينه لا يجزيه وهو وجه عند الحنابلة وطائفة من الشافعية قوله ولا يتمسح بيمينه النهي فيه للتنزيه عند الجمهور خلافا للظاهرية كما ذكرنا وقد أورد الخطابي ههنا إشكالا وهو أنه متى استجمر بيساره استلزم مس ذكره بيمينه ومتى مسه بيساره استلزم استجماره بيمينه وكلاهما قد شمله النهي ثم أجاب عن ذلك بقوله أنه يقصد الأشياء الضخمة التي لا تزول بالحركة كالجدار ونحوه من الأشياء البارزة فيستجمر بها بيساره فإن لم يجد فليلصق مقعدته بالأرض ويمسك ما يستجمر به بين عقبيه أو إبهامي رجليه ويستجمر بيساره فلا يكون متصرفا في شيء من ذلك بيمينه وقال الطيبي النهي عن الاستنجاء باليمين مختص بالدبر والنهي عن المس مختص بالذكر فلا إشكال فيه قلت قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الآتي ولا يستنجي بيمينه يرد عليه في دعواه الاختصاص على ما لا يخفى وقال بعضهم الذي ذكره الخطابي هيئة منكرة بل قد يتعذر فعلها في غالب الأوقات والصواب ما قاله إمام الحرمين ومن بعده كالغزالي في الوسيط والبغوي في التهذيب أنه يمر العضو بيساره على شيء يمسكه بيمينه وهي قارة غير متحركة فلا يعد مستجمرا باليمين ولا ماسا بها فهو كمن صب الماء بيمينه على يساره حالة الاستنجاء قلت دعواه بأن هذه هيئة منكرة فاسدة لأن الاستجمار بالجدار ونحوه غير بشيع وهذا ظاهر وتصويبه ما قاله هؤلاء إنما يمشي في استجمار الذكر وأما في الدبر فلا على ما لا يخفى (بيان استنباط الأحكام) الأول كراهة التنفس في الإناء وقد ذكرناه مفصلا. الثاني فيه جواز الشرب من نفس واحد لأنه إنما نهى عن التنفس في الإناء والذي شرب في نفس واحد لم يتنفس فيه فلا يكون مخالفا للنهي وكرهه جماعة وقالوا هو شرب الشيطان وفي الترمذي محسنا من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا لا تشربوا واحدا كشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وثلاث وسموا إذا أنتم شربتم واحمدوا إذا أنتم رفعتم * الثالث فيه النهي عن مس الذكر باليمين * الرابع فيه النهي عن الاستنجاء باليمين * الخامس فيه فضل الميامن والله أعلم بالصواب * ((باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال)) أي هذا باب فيه بيان حكم مس الذكر باليمين وقت البول وباب منون غير مضاف ووجه المناسبة بين البابين ظاهر وقال بعضهم أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق عن مس الذكر باليمين كما في الباب الذي قبله محمول على المقيد بحالة البول فيكون ما عداه مباحا قلت هذا كلام فيه خباط لأن الحاصل من معنى الحديثين واحد وكلاهما مقيد أما الأول فلأن إتيان الخلاء في قوله إذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه كناية عن التبول والمعنى إذا بال أحدكم فلا يمس
(٢٩٦)