عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٧٥
هذا عن الشيخين عبدان وبشر كليهما عن عبد الله بن المبارك والشيخ الأول ذكر لعبد الله شيخا واحدا وهو يونس والثاني ذكر له الشيخين يونس ومعمرا أشار إليه بقوله ومعمر نحوه أي نحو حديث يونس نحوه باللفظ وعن معمر بالمعنى ولأجل هذا زاد فيه لفظ نحوه * ومنها زيادة الواو في قوله وحدثنا بشر وهذا يسمى واو التحويل من إسناد إلى آخر ويعبر عنها غالبا بصورة (ح) مهملة مفردة وهكذا وقع في بعض النسخ وقال النووي وهذه الحاء كثيرة في صحيح مسلم قليلة في صحيح البخاري انتهى وعادتهم أنه إذا كان للحديث إسنادان أو أكثر كتبوا عند الانتقال من إسناد إلى إسناد ذلك مسمى (ح) أي حرف الحاء فقيل أنها مأخوذة من التحول لتحوله من إسناد إلى إسناد وأنه يقول القارئ إذا انتهى إليها حاء مقصورة ويستمر في قراءة ما بعده وفائدته أن لا يركب الإسناد الثاني مع الإسناد الأول فيجعلا إسنادا واحدا وقيل أنها من حال بين الشيئين إذا حجز لكونها حالة بين الإسنادين وأنه لا يلفظ عند الانتهاء إليها بشيء وقيل أنها رمز إلى قوله الحديث فأهل المغرب يقولون إذا وصلوا إليها الحديث وقد كتب جماعة من الحفاظ موضعها (صح) فيشعر بأنها رمز صح لئلا يتوهم أنه سقط متن الإسناد الأول (بيان اللغات) قوله أجود الناس هو أفعل التفضيل من الجود وهو العطاء أي أعطى ما ينبغي لمن ينبغي ومعناه هو أسخى الناس لما كانت نفسه أشرف النفوس ومزاجه أعدل الأمزجة لا بد أن يكون فعله أحسن الأفعال وشكله أملح الأشكال وخلقه أحسن الأخلاق فلا شك بكونه أجود وكيف لا وهو مستغن عن الفانيات بالباقيات الصالحات قوله في رمضان أي شهر رمضان قال الزمخشري الرمضان مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء فأضيف إليه الشهر وجعل علما ومنع من الصرف للتعريف والألف والنون وسموه بذلك لارتماضهم فيه من حر الجوع ومقاساة شدته قوله فيدارسه من المدارسة من باب المفاعلة من الدرس وهو القراءة على سرعة وقدرة عليه من درست الكتاب أدرسه وأدرسه وقرأ أبو حيوة * (وبما كنتم تدرسون) * مثال تجلسون درسا ودراسة قال الله تعالى * (ودرسوا ما فيه) * وأدرس الكتاب قرأه مثل درسه وقرأ أبو حيوة * (وبما كنتم تدرسون) * من الإدراس ودرس الكتب تدريسا شدد للمبالغة ومنه مدرس المدرسة والمدارسة المقارأة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (وليقولوا دارست) أي قرأت على اليهود وقرأوا عليك وههنا لما كان النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام يتناوبان في قراءة القرآن كما هو عادة القراء بأن يقرأ مثلا هذا عشرا والآخر عشرا أتى بلفظة المدارسة أو أنهما كانا يتشاركان في القراءة أي يقرآن معا وقد علم أن باب المفاعلة لمشاركة اثنين نحو ضاربت زيدا وخاصمت عمرا قوله الريح المرسلة بفتح السين أي المبعوثة لنفع الناس هذا إذا جعلنا اللام في الريح للجنس وأن جعلناها للعهد يكون المعنى من الريح المرسلة للرحمة قال تعالى * (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) * وقال تعالى * (والمرسلات عرفا) * أي الرياح المرسلات للمعروف على أحد التفاسير (بيان الإعراب) قوله أجود الناس كلام إضافي منصوب لأنه خبر كان قوله وكان أجود ما يكون يجوز في أجود الرفع والنصب أما الرفع فهو أكثر الروايات ووجهه أن يكون اسم كان وخبره محذوف حذفا واجبا لأنه نحو قولك أخطب ما يكون الأمير قائما ولفظة ما مصدرية أي أجود أكوان الرسول. وقوله في رمضان في محل النصب على الحال واقع موقع الخبر الذي هو حاصل أو واقع. وقوله حين يلقاه حال من الضمير الذي في حاصل المقدر فهو حال عن حال ومثلهما يسمى بالحالين المتداخلتين والتقدير كان أجود أكوانه حاصلا في رمضان حال الملاقاة * ووجه آخر أن يكون في كان ضمير الشان وأجود ما يكون أيضا كلام إضافي مبتدأ وخبره في رمضان والتقدير كان الشأن أجود أكوان رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان أي حاصل في رمضان عند الملاقاة * ووجه آخر أن يكون الوقت فيه مقدرا كما في مقدم الحاج والتقدير كان أجود أوقات كونه وقت كونه في رمضان وإسناد الجود إلى أوقاته صلى الله عليه وسلم على سبيل المبالغة كأسناد الصوم إلى النهار في نحو نهاره صائم * وأما النصب فهو رواية الأصيلي ووجهه أن يكون خبر كان واعترض عليه بأنه يلزم من ذلك أن يكون خبرها هو اسمها. وأجاب بعضهم عن ذلك بأن يجعل اسم
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»