عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٤٦
الذي هو في صورة دحية فهل يموت الجسد العظيم أم يبقى خاليا من الروح المنتقلة عنه إلى الجسد المشبه بجسد دحية. أجيب بأنه لا يبعد أن لا يكون انتقالها موجب موته فيبقى الجسد حيا لا ينقص من مفارقته شيء ويكون انتقال روحه إلى الجسد الثاني كانتقال أرواح الشهداء إلى أجواف طير خضر وموت الأجساد بمفارقة الأرواح ليس بواجب عقلا بل بعادة أجراها الله تعالى في بني آدم فلا يلزم في غيرهم. الثاني عشر ما قيل ما الحكمة في الشدة المذكورة. أجيب لأن يحسن حفظه أو يكون لابتلاء صبره أو للخوف من التقصير. وقال الخطابي هي شدة الامتحان ليبلو صبره ويحسن تأديبه فيرتاض لاحتمال ما كلف من أعباء النبوة أو ذلك لما يستشعره من الخوف لوقوع تقصير فيما أمر به من حسن ضبطه أو اعتراض خلل دونه وقد أنزل عليه عليه الصلاة والسلام بما ترتاع له النفوس ويعظم به وجل القلوب في قوله تعالى * (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) *. الثالث عشر ما قيل ما وجه سؤال الصحابة عنه عليه الصلاة والسلام عن كيفية الوحي أجيب بأنه إنما كان لطلب الطمأنينة فلا يقدح ذلك فيهم وكانوا يسألونه عليه الصلاة والسلام عن الأمور التي لا تدرك بالحس فيخبرهم بها ولا ينكر ذلك عليهم.
(استنباط الأحكام وهو على وجوه. الأول فيه إثبات الملائكة ردا على من أنكرهم من الملاحدة والفلاسفة. الثاني فيه أن الصحابة كانوا يسألونه عن كثير من المعاني وكان عليه السلام يجمعهم ويعلمهم وكانت طائفة تسأل وأخرى تحفظ وتؤدي وتبلغ حتى أكمل الله تعالى دينه. الثالث فيه دلالة على أن الملك له قدرة على التشكل بما شاء من الصور.
3 - (حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوت العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ قال ما أنا بقاريء قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذي نزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»