والعصا مائة من الإبل الحديث * السادس عشر في قول علقمة سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر يقول رد لقول من يقول أن الواحد إذا ادعى شيئا كان في مجلس جماعة لا يمكن أن ينفرد بعلمه دون أهل المجلس ولا يقبل حتى يتابعه عليه غيره لما قاله بعض المالكية مستدلين بقصة ذي اليدين * السابع عشر * فيه أنه لا بأس للخطيب أن يورد أحاديث في أثناء خطبته وقد فعل بذلك الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم * الثامن عشر اختلفوا في قوله الأعمال فقال بعضهم هي مختصة بالجوارح وأخرجوا الأقوال والصحيح الذي عليه الجمهور أنه يتناول فعل الجوارح والقلوب والأقوال وقال بعض الشارحين الأعمال ثلاثة بدني وقلبي ومركب منهما فالأول كل عمل لا يشترط فيه النية كرد المغصوب والعواري والودائع والنفقات والثاني كالاعتقادات والحب في الله والبغض فيه وما أشبه ذلك والثالث كالوضوء والصلاة والحج وكل عبادة بدنية يشترط فيها النية قولا كانت أو فعلا. فإن قيل النية أيضا عمل لأنه من أعمال القلب فإن احتاج كل عمل إلى نية فالنية أيضا تحتاج إلى نية وهلم جرا قلت المراد بالعمل عمل الجوارح في نحو الصلاة والزكاة وذلك خارج عنه بقرينة العقل دفعا للتسلسل فإن قلت فما قولك في إيجاب معرفة الله تعالى للغافل عنه أجيب عنه بأنه لا دخل له في البحث لأن المراد تكليف الغافل عن تصور التكليف لا عن التصديق بالتكليف ولهذا كان الكفار مكلفين لأنهم تصوروا التكليف لما قيل لهم أنكم مكلفون وإن كانوا غافلين عن التصديق وقال بعضهم معرفة الله تعالى لو توقفت على النية مع أن النية قصد المنوي بالقلب لزم أن يكون عارفا بالله قبل معرفته وهو محال (فائدة) قال التيمي النية أبلغ من العمل ولهذا المعنى تقبل النية بغير العمل فإذا نوى حسنة فإنه يجزى عليها ولو عمل حسنة بغير نية لم يجز بها فإن قيل فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له واحدة ومن عملها كتبت له عشرا وروي أيضا أنه قال نية المؤمن خير من عمله فالنية في الحديث الأول دون العمل وفي الثاني فوق العمل وخير منه قلنا أما الحديث الأول فلأن الهام بالحسنة إذا لم يعملها خالف العامل لأن الهام لم يعمل والعامل لم يعمل حتى هم ثم عمل وأما الثاني فلأن تخليد الله العبد في الجنة ليس لعمله وإنما هو لنيته لأنه لو كان لعمله لكان خلوده فيها بقدر مدة عمله أو أضعافه إلا أنه جازاه بنيته لأنه كان ناويا أن يطيع الله تعالى أبدا لو بقي أبدا فلما اخترمته منيته دون نيته جزاه الله عليها وكذا الكافر لأنه لو كان يجازى بعمله لم يستحق التخليد في النار إلا بقدر مدة كفره غير أنه نوى أن يقيم على كفره أبدا لو بقي فجزاه على نيته وقال الكرماني أقول يحتمل أن يقال أن المراد منه أن النية خير من عمل بلا نية إذ لو كان المراد خير من عمل مع النية يلزم أن يكون الشيء خيرا من نفسه مع غيره أو المراد أن الجزاء الذي هو للنية خير من الجزاء الذي هو للعمل لاستحالة دخول الرياء فيها أو أن النية خير من جملة الخيرات الواقعة بعمله لأن النية فعل القلب وفعل الأشرف أشرف أو أن المقصود من الطاعات تنوير القلب وتنوير القلب بها أكثر لأنها صفته أو أن نية المؤمن خير من عمل الكافر لما قيل ورد ذلك حين نوى مسلم بناء قنطرة فسبق كافر إليه * فإن قلت هذا حكمه في الحسنة فما حكمه في السيئة قلت المشهور أنه لا يعاقب عليها بمجرد النية واستدلوا عليها بقوله تعالى * (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) * فإن اللام للخير فجاء فيها بالكسب الذي لا يحتاج إلى تصرف بخلاف على فإنها لما كانت للشر جاء فيها بالاكتساب الذي لا بد فيه من التصرف والمعالجة ولكن الحق أن السيئة أيضا يعاقب عليها بمجرد النية لكن على النية لا على الفعل حتى لو عزم أحد على ترك صلاة بعد عشرين سنة يأثم في الحال لأن العزم من أحكام الإيمان ويعاقب على العزم لا على ترك الصلاة فالفرق بين الحسنة والسيئة أن بنية الحسنة يثاب الناوي على الحسنة وبنية السيئة لا يعاقب عليها بل على نيتها * فإن قلت من جاء بنية الحسنة فقد جاء بالحسنة ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فيلزم أن من جاء بنية الحسنة فله عشر أمثالها فلا يبقى فرق بين نية الحسنة ونفس الحسنة قلت لا نسلم أن من جاء بنية الحسنة فقد جاء بالحسنة بل يثاب على الحسنة فظهر الفرق انتهى. وقد دل ما رواه أبو يعلى في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يقول الله تعالى للحفظة يوم القيامة اكتبوا لعبدي كذا وكذا من الأجر فيقولون ربنا لم نحفظ ذلك عنه ولا هو في صحفنا فيقول إنه نواه على كون النية خيرا من العمل *
(٣٥)