عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٣٢
وحمله أبو حنيفة على النوع الأول أي ثواب الأعمال لا يكون إلا بالنية وذلك لوجهين الأول أن الثواب ثابت اتفاقا إذ لا ثواب بدون النية فلو أريد الصحة أيضا يلزم عموم المشترك أو المجاز * الثاني أنه لو حمل على الثواب لكان باقيا على عمومه إذ لا ثواب بدون النية أصلا بخلاف الصحة فإنها قد تكون بدون النية كالبيع والنكاح * وفرعت الشافعية على أصلهم مسائل * منها أن بعضهم أوجب النية في غسل النجاسة لأنه عمل واجب قال الرافعي ويحكى عن ابن سريج وبه قال أبو سهل الصعلوكي فيما حكاه صاحب التتمة وحكى ابن الصلاح وجها ثالثا أنها تجب لإزالة النجاسة التي على البدن دون الثوب وقد رد ذلك بحكاية الإجماع فقد حكى الماوردي في الحاوي والبغوي في التهذيب أن النية لا تشترط في إزالة النجاسة قال الروياني لا يصح النقل في البحر عندي عنهما أي عن ابن سريج والصعلوكي وإنما لم يشترطوا النية في إزالة النجاسة لأنها من باب التروك فصار كترك المعاصي. وقال بعض الأفاضل وقد يعترض على هذا التعليل لأن الصوم من باب التروك أيضا وهذا لا يبطل بالعزم على قطعه وقد أجمعوا على وجوب النية فيه قلت التروك إذا كان المقصود فيها امتثال أمر الشارع وتحصيل الثواب فلا بد من النية فيها وإن كانت لإسقاط العذاب فلا يحتاج إليها فالتارك للمعاصي محتاج فيها لتحصيل الثواب إلى النية. قوله وقد أجمعوا على وجوب النية فيه نظر لأن عطاء ومجاهدا لا يريان وجوب النية فيه إذا كان في رمضان * ومنها اشتراط النية في الخطبة فيه وجهان للشافعية كهما في الأذان قاله الروياني في البحر. وفي الرافعي في الجمعة أن القاضي حسين حكى اشتراط نية الخطبة وفرضيتها كما في الصلاة * ومنها أنه إذا نذر اعتكاف مدة متتابعة لزمه. وأصح الوجهين عندهم أنه لا يجب التتابع بلا شرط فعلي هذا لو نوى التتابع بقلبه ففي لزومه وجهان أصحهما لا كما لو نذر أصل الاعتكاف بقلبه كذا نقله الرافعي عن صحيح البغوي وغيره قال الروياني وهو ظاهر نقل المزني قال والصحيح عندي اللزوم لأن النية إذا اقترنت باللفظ عملت كما لو قال أنت طالق ونوى ثلاثا ومنها إذا أخذ الخوارج الزكاة اعتد بها على الأصح ثالثها إن أخذت قهرا فنعم وإلا فلا وبه قال مالك وقال ابن بطال ومما يجزئ بغير نية ما قاله مالك أن الخوارج إن أخذوا الزكاة من الناس بالقهر والغلبة أجزأت عمن أخذت منه لأن أبا بكر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم أخذوا الزكاة من أهل الردة بالقهر والغلبة ولو لم يجزئ عنهم ما أخذت منهم وقال ابن بطال واحتج من خالفهم وجعل حديث النية على العموم أن أخذ الخوارج الزكاة غلبة لا ينفك المأخوذ منه أنه عن الزكاة وقد أجمع العلماء أن أخذ الإمام الظالم لها يجزئه فالخارجي في معنى الظالم لأنهم من أهل القبلة وشهادة التوحيد وأما أبو بكر رضي الله عنه فلم يقتصر على أخذ الزكاة من أهل الردة بل قصد حربهم وغنيمة أموالهم وسبيهم لكفرهم ولو قصد أخذ الزكاة فقط لرد عليهم ما فضل عنها من أموالهم * ومنها قال الشافعي في البويطي كما نقله الروياني عن القاضي أبي الطيب عنه قد قيل أن من صرح بالطلاق والظهار والعتق ولم يكن له نية في ذلك لم يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى طلاق ولا ظهار ولا عتق ويلزمه في الحكم * ومنها أن لو قال لامرأته أنت طالق يظنها أجنبية طلقت زوجته لمصادفة محله. وفي عكسه تردد لبعض العلماء مأخذه إلى النية وإلى فوات المحل فلو قال لرقيق أنت حر يظنه أجنبيا عتق وفي عكسه التردد المذكور * ومنها لو وطئ امرأة يظنها أجنبية فإذا هي مباحة له أثم ولو اعتقدها زوجته أو أمته فلا إثم وكذا لو شرب مباحا يعتقده حراما أثم وبالعكس لا يأثم ومثله ما إذا قتل من يعتقده معصوما فبان له أنه مستحق دمه أو أتلف ما لا يظنه لغيره فبان ملكه * ومنها اشتراط النية لسجود التلاوة لأنه عبادة وهو قول الجمهور خلافا لبعضهم * ومنها استدلوا به على وجوب النية على الغاسل في غسل الميت لأنه عبادة وغسل واجب وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ويدل عليه نص الشافعي على وجوب غسل الغريق وأنه لا يكفي إصابة الماء له ولكن أصح الوجهين كما قاله الرافعي في المحرر أنه لا تجب النية على الغاسل * ومنها أنه لا يجب على الزوج النية إذا غسل زوجته المجنونة من حيض أو نفاس أو الذمية إذا امتنعت فغسلها الزوج وهو أصح الوجهين كما صححه النووي في التحقيق في مسألة المجنونة وأما الذمية المتمنعة فقال في شرح المهذب الظاهر أنه على الوجهين في المجنونة بل قد جزم ابن الرفعة في الكفاية في غسل الذمية لزوجها المسلم أن المسلم هو الذي ينوي ولكن الذي صححه النووي في التحقيق
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»