وقف ناحية حتى يرحل الرجل أو يقضى حاجته. وقد رأيته يلقى الناس مقبلين في وجهه من مكة على الطريق، فيقول لهم يمنة أو يسرة، فينيخهم حتى يكونوا مد البصر حتى يمضين، وكن ينزلن مع عمر كل منزل، وكانا ينزلان بهن في الشعاب وينزلان في فئ الشعب ولا يتركان أحدا يمر عليهن.
وفي رواية أخرى: ينزلانهن بصدر الشعب وينزلان بذنب الشعب، ولا يصعد إليهن أحد، وفي أخرى: " ينزلهن في الشعب الذي ليس له منفذ "، وفي أخرى: " وقد ستروا عليهن الشجر من كل ناحية " (12) إن أم المؤمنين عائشة لم تخرج في هذا العهد غير هذه السفرة من المدينة، وإنما قضت أيامها في بيتها، في حياة رتيبة هادئة لا يختلف أولها عن آخرها، ترجع إليها السلطة في ما تحتاج إليه من إفتاء، فتحدث هي عن رسول الله في ذلك، وكان ذلك لها من السلطة غاية الاجلال والتكريم، مضافا إلى تفضيلها في العطاء. ومن المظنون ظنا راجحا أن التحديث كان في هذا العهد نزرا يسيرا وذلك لانصراف المسلمين بقضهم وقضيضهم إلى الفتوح، واتفاق الرأي وخضوع الجميع للخلفاء حتى النصف الأول من خلافة عثمان، مضافا إلى أنهم في المدينة كانوا يعيشون جميعا مع من عاشر النبي، فلم يكن هناك مسوغ للاكثار من الحديث عن عصر الرسول، ومن المظنون أيضا أن من ذلك النزر اليسير ما روي عن أم المؤمنين في تأييد الخلافة القائمة يومذاك، فإنها كانت من أشد المؤيدين لها، ولم يكن ثمة تأييد أقوى من نشر الحديث عن رسول الله في شأن الخلافة والخلفاء، ومن الجائز أن يكون من أحاديثها في هذا العصر وفي هذا الباب ما أخرجه مسلم في صحيحه عنها (13) قالت: