التعظيم والتبجيل، والنفوس البشرية تغيظ على ما دون هذا فكيف هذا؟ ثم حصل عند بعلها ما هو حاصل عندها - أعني عليا عليه السلام - فإن النساء كثيرا ما يجعلن الأحقاد في قلوب الرجال، لا سيما وهن محدثات الليل، كما قيل في المثل، وكانت تكثر الشكوى من عائشة، ويغشاها نساء المدينة وجيران بيتها، فينقلن إليها كلمات عن عائشة، ثم يذهبن إلى بيت عائشة فينقلن إليها كلمات عن فاطمة، وكما كانت فاطمة تشكو إلى بعلها، كانت عائشة تشكو إلى أبيها، لعلمها أن بعلها لا يشكيها على ابنته، فحصل في نفس أبي بكر من ذلك أثر ما، ثم تزايد تقريظ رسول الله لعلي، وتقريبه واختصاصه، فأحدث ذلك حسدا له، وغبطة في نفس أبي بكر عنه، وهو أبوها، وفي نفس طلحة وهو ابن عمها، وهي تجلس إليهما، وتسمع كلامهما، وهما يجلسان إليها ويحادثانها فأعدي إليها منهما كما أعدتهما قال: وليست أبرى عليا من مثل ذلك، ثم كان بينها وبين علي في حياة الرسول أحوال وأقوال، كلها تقتضي تهييج ما في النفوس، نحو ما روي أنه سائره يوما وأطال مناجاته (78)، فجاءت، وهي سائرة خلفهما، حتى دخلت بينهما، وقالت: فيم أنتما فقد أطلتما، فيقال إن رسول الله - صلى الله عليه وآله - غضب ذلك اليوم، وما روي من حديث الجفنة من الثريد التي أمرت الخادم، فوقفت لها فأكفأتها، ونحو ذلك مما يكون بين الأهل وبين المرأة وأحمائها، ثم اتفق أن فاطمة ولدت أولادا كثيرة، بنين وبنات ولم تلد هي ولدا، وأن رسول الله كان يقيم بني فاطمة مقام بنيه، ويسمى الواحد منهما ابني، ويقول: " دعوا لي ابني " و " لا تزرموا على ابني " و " ما فعل ابني؟ " فما ظنك بالزوجة إذا حرمت الولد من البعل، ثم رأت البعل يتبنى بني ابنته من غيرها، ويحنو عليهم حنو الوالد المشفق، هل تكون محبة لأولئك البنين ولامهم ولأبيهم أم مبغضة؟ وهل تود دوام ذلك واستمراره أم زواله وانقضاءه؟!
(٧٧)