أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري - ج ١ - الصفحة ٣٦٧
المسلمون حولهم في كل مكان يستمعون إلى أحاديثهم ويأخذون منهم معالم دينهم، وكان الحديث يوم ذاك يدور في أندية المسلمين عن صفين، والجمل، والفتنة في عصر عثمان، وفي كله ذم لامية، وعن الفتوح في عصر الخليفتين، وجل ما فيه من المدح لغير أمية، ويتبارى أصحاب الرسول في ذكر غزواته وحروبه، وتعذيب قريش إياهم، وهنالك تشع النفوس، وتستمع إلى الحديث بإجلال وإكبار. والحديث هذا كما ذكرنا كله مجد لهاشم، وفي جله ذم لامية، فإنهم كانوا يذكرون للناس (247) غزوة بدر، وكيف قتلوا جد معاوية وخاله وأخاه وغيرهم من أفراد أسرته، وكيف سبوا فيها من سبوا من أهله وذويه، ويذكرون غزوة أحد، وكيف بقرت عند عن كبد حمزة ولاكته، وكيف نادى أبو سفيان فيها: أعل هبل، وينشدون شعر حسان في هند، وما هجاها به، وما كانوا يغمزون من نسب معاوية. ويذكرون إسلام أبي سفيان وبنيه، وكيف ألف النبي قلوبهم على الاسلام بالمال في حنين، ويذكرون أن أبا سفيان لم يكن مخلصا في إسلامه، فقد قال بعد إسلامه: لو عاودت الجمع لهذا الرجل. وقال في حنين: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر. وقال يوم اليرموك حين رأى فرار المسلمين: إيه بني الأصفر! وعندما ركبهم المسلمون: ويح بني الأصفر! وأنشد:
وبنو الأصفر الكرام ملوك ال * روم لم يبق منهم مذكور كل هذا يجري في سلطان معاوية والعربي في الجزيرة كان لا يعنى بشئ عنايته بالتغني بأمجاد القبيلة، ينفق ما عز وغلا في سبيل نشر مآثرها، وهذا ما لم يمح أثره الاسلام، وإنما خففه في نفوس النزر اليسير من معتنقيه، ولم يكن معاوية من ذلك النزر اليسير، فإنه لم يتطبع بالخلق الاسلامي في مدة مكثه

يقصد من العقبيين الأنصار الذين بايعوا الرسول في العقبة بمنى قبل هجرة النبي إليهم، ويقصد من شغب أبيه عليهم، خلافه لهم يوم سقيفة بني ساعدة وسبقه إلى بيعة أبي بكر يومذاك.
(247) ولولا تحديثهم بكل ذلك لما أنهت إلينا أخبار تلك الغزوات بتفاصيلها.
(٣٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 ... » »»