القصيرة، بالمدينة، وكيف يكون غير هذا وقد رأيناه في أيام إمارته بالشام يأكل الربا، ويحمل إليه روايا الخمر، ويتلاعب بأموال المسلمين، ويقوم الخطيب ويمدحه في وجهه، ويعقد المجالس للمفاخرة، ويقول في بعضها: قد عرفت قريش أن أبا سفيان كان أكرمها وابن أكرمها إلا ما جعل الله لنبيه (ص) فإنه انتخبه وأكرمه، وإني لأظن أبا سفيان لو ولد الناس كلهم لم يلد إلا حازما (248).
أرأيت مفاخرة أبعد من هذه في التيه! يرى أن أباه لو ولد الناس كلهم لم يلد إلا حازما. وان أباه كان أكرمها وابن أكرمها لولا نبوة النبي! كان هذا حد مفاخرته في أيام إمارته، أما في عصر خلافته فقد كان حدود مفاخرته أبعد مدى من هذه وأشد، فقد اجتمعت لديه يومذاك إلى داعي المفاخرة دواع أخرى، كانت في حسابه أهم من دواعي التغني بأمجاد القبيلة، فإنه قد أصبح ملكا يبذل قصارى جهده في تثبيت ملكه وترسيخ أساسه، وكيف يتم له ذلك وفي المسلمين من يقول له في وجهه مقال صعصعة بن صوحان العبدي:
ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول الله صلى الله عليه وآله إنما أنت طليق وابن طليق أطلقكما رسول الله، فأنى تصح الخلافة لطليق (249)؟
ومقال عبد الرحمن بن غنم الأشعري لأبي هريرة وأبي الدرداء عندما أرسلهما معاوية إلى علي:
وأي مدخل لمعاوية في الشورى!؟ وهو من الطلقاء الذين لا تجوز لهم الخلافة! وهو وأبوه من رؤوس الأحزاب (250)، وكيف يستقر له الامر بعد قول عمر: