الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٢٨٩
تفضيلهم على الناس، وقد تنشب ذلك في قلبه وكان معروفا منه من أول يومه، وعرفه بذلك من عرفه قال عمر بن الخطاب لابن عباس: لو وليها عثمان لحمل بني أبي معيط على رقاب الناس ولو فعلها لقتلوه (1).
وفي لفظ الإمام أبي حنيفة: لو وليتها عثمان لحمل آل أبي معيط على رقاب الناس، والله لو فعلت لفعل، ولو فعل لأوشكوا أن يسير وإليه حتى يجزوا رأسه، ذكره القاضي أبو يوسف في الآثار ص 217.
ووصى إلى عثمان بقوله: إن وليت هذا الأمر فاتق الله ولا تحمل آل أبي معيط على رقاب الناس (2).
وبهذه الوصية أخذه علي وطلحة والزبير لما ولى الوليد بن عقبة على الكوفة وقالوا له: ألم يوصك عمر ألا تحمل آل أبي معيط وبني أمية على رقاب الناس؟ فلم يجبهم بشئ. (أنساب البلاذري 5: 30).
كان يبذل كل جهده في تأسيس حكومة أموية قاهرة في الحواضر الإسلامية كلها تقهر من عداهم، وتنسي ذكرهم في القرون الغابرة، غير أن القدر الحاتم راغمه على منوياته فجعل الذكر الجميل الخالد والبقية المتواصلة في الحقب والأجيال كلها لآل علي عليه وعليهم السلام، وأما آل حرب فلا تجد من ينتمي إليهم غير متوار بانتسابه، متخافت عند ذكر نسبه، فكأنهم حديث أمس الدابر، فلا ترى لهم ذكرا، ولا تسمع لأحد منهم ركزا.
كان الخليفة يمضي وراء نيته هاتيك قدما، وراء أمل أبي سفيان فيما قال له يوم استخلف: فأدرها كالكرة واجعل أوتادها بني أمية. فولى على الأمر في المراكز الحساسة والبلاد العظيمة أغلمة بني أمية، وشبابهم المترف المتبختر في شرح الشبيبة وغلوائها وأمر فتيانهم الناشطين للعمل، الذين لم تحنكهم الأيام ولم يأدبهم الزمان، وسلطهم على رقاب الناس، ووطد لهم السبل، وكسح عن مسيرهم العراقيل، وفتح باب الفتن والجور بمصراعيه على الجامع الصالح في الأمصار الإسلامية، وجر الويلات بيد أولئك الطغام

(1) أنساب البلاذري 5: 16.
(2) طبقات ابن سعد 3: 247، أنساب البلاذري 5: 16، الرياض النضرة 2: 76.
(٢٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»