الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٣٢٢
فما واجب أبي ذر عندئذ؟ وقد أمره النبي الأعظم في حديث (1) السبعة التي أوصاه بها، بأن يقول الحق وإن كان مرا، وأمره بأن لا يخاف في الله لومة لائم. وما الذي يجديه قول عثمان: مالك وذلك؟ لا أم لك؟ ولأبي ذر أن يقول له كما قال: والله ما وجدت لي عذرا إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولم تكن لما رفع به أبو ذر عقيرته جدة ليس لها سلف من العهد النبوي، فلم يهتف إلا بما تعلمه من الكتاب والسنة، وقد أخذه من الصادع الكريم من فلق فيه، ولم يكن صلى الله عليه وآله يسلب ثروة أحد من أصحابه وكان فيهم تجار وملاك ذوو يسار، ولم يأخذ منهم زيادة على ما عليهم من الحقوق الإلهية، وعلى حذوه حذا أبو ذر في الدعوة والتبليغ.
كان صلى الله عليه وآله أخبره بما يجري عليه من البلاء والعناء وما يصنع به من طرده من الحواضر الإسلامية: مكة والمدينة والشام والبصرة والكوفة. ووصفه عند ذلك بالصلاح وأمره بالصبر وأن ما يصيبه في الله، فقال أبو ذر: مرحبا بأمر الله. فصلاح أبي ذر يمنعه عن الأمر بخلاف السنة بما يخل نظام المجتمع، وكون بلاءه في الله يأبى أن يكون ما جر إليه ذلك البلاء غير مشروع.
وإن كان ذلك خلاف الصالح العام ولم تكن فيه مرضاة الله ورسوله لوجب عليه صلى الله عليه وآله أن ينهاه عما سينوء به من الإنكار وهو يعلم أن تلك الدعوة تجر عليه الأذى والبلاء الفادح، وتشوه سمعة خليفة المسلمين، وتسود صحيفة تاريخه، وتبقى وصمة عليه مع الأبد.
وما كانت الشريعة السمحاء تأتي بذلك الحكم الشاق الذي اتهم به أبو ذر، ولم يكن قط يقصده وهو شبيه عيسى في أمة محمد صلى الله عليه وآله زهدا ونسكا وبرا وهديا وصدقا وجدا وخلقا.
هكذا وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله غير أن عثمان قال لما غضب عليه: أشيروا علي

(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات 164 من طريق عبادة بن الصامت عن أبي ذر قال: أوصاني خليلي بسبع: بحب المساكين والدنو منهم. وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي. وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا. وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت. وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرا. وأمرني أن لا أخاف لومة لائم. وأمرني أن أكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله. فإنهن من كنز تحت العرش.
(٣٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 ... » »»