ورد الكوفة من غير سابقة واليا من قبل عثمان بعد عزله الوليد ولم يحمل أي حنكة فطفق يلهج من أول يومه بما يثير العواطف ويجيش الأفؤدة، فنسبهم إلى الشقاق والخلاف وقال: إن هذا السواد بستان لأغيلمة من قريش.
ولقد أزرى هذا الغلام بهاشم بن عتبة المرقال الصحابي العظيم صاحب راية مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بصفين العبد الصالح الذي فقئت إحدى عينيه في سبيل الله يوم اليرموك ومات شهيدا في الجيش العلوي.
قال ابن سعد: قال سعيد مرة بالكوفة: من رأى الهلال منكم؟ وذلك في فطر رمضان فقالوا له: ما رأيناه. فقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص: أنا رأيته. فقال له سعيد:
بعينك هذه العوراء رأيته من بين القوم؟ فقال هاشم: تعيرني بعيني وإنما فقئت في سبيل الله؟ وكانت عينه أصيبت يوم اليرموك، ثم أصبح هاشم في داره مفطرا وغدى الناس عنده، فبلغ ذلك سعيدا فأرسل إليه فضربه وحرق داره.
ما أجرأ ابن العاص على هذا العظيم من عظماء الصحابة فيضربه ويحرق داره لعمله بالسنة الثابتة في الأهلة بقوله صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فافطروا. وفي لفظ: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته (1)؟
لم يكن يعلم هاشم المرقال بأن آراء الولاة وأهوائهم لها صولة وجولة في رؤية الهلال أيضا، وإن الشهادة بها قد تكون من الجرائم التي لا تغفر، وإن السياسة الوقتية لها دخل في شهادات الرجال، وإن حملة النزعة العلوية لا تقبل شهاداتهم.
قد شكاه إلى الخليفة الكوفيون مرة فلم يعبأ بها فقال: كلما رأى أحدكم من أميره جفوة أرادنا أن نعزله، فانكفئ سعيد إلى الكوفة، وأضر بأهلها إضرارا شديدا (2) ونفى في سنة 33 بأمر من خليفته جمعا من صلحاء الكوفة وقرائها إلى الشام كما يأتي تفصيله. ولم يفتأ على سيرته السيئة إلى أن رحل من الكوفة إلى عثمان مرة ثانية 34 والتقى هنالك بالفئة الشاكية إلى عثمان وهم: الأشتر بن الحارث. يزيد بن مكفف. ثابت بن قيس. كميل بن زياد. زيد بن