يغلب، وإن القلب يحزن، ولا نعصي الله عز وجل (1).
وهذا هو صلى الله عليه وآله وسلم لما أصيب حمزة رضي الله عنه وجاءت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها تطلبه فحالت بينها وبينه الأنصار فقال صلى الله عليه وآله وسلم: دعوها فجلست عنده فجعلت إذا بكت بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا نشجت نشج، وكانت فاطمة عليها السلام تبكي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلما بكت يبكي وقال: لن أصاب بمثلك أبدا (2).
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحد بكت نساء الأنصار على شهدائهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: لكن حمزة لا بواكي له فرجعت الأنصار فقلن لنسائهم: لا تبكين أحدا حتى تبدأن بحمزة قال: فذاك فيهم إلى اليوم لا يبكين ميتا إلا بدأن بحمزة (3).
وهذا هو صلى الله عليه وآله وسلم ينعي جعفرا وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وعيناه تذرفان (4).
وهذا هو صلى الله عليه وآله وسلم زار قبر أمه وبكا عليها وأبكى من حوله (5) وهذا هو صلى الله عليه وآله وسلم يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت ودموعه تسيل على خده (6) وهذا هو صلى الله عليه وآله وسلم يبكي على ابن لبعض بناته فقال له عبادة بن الصامت: ما هذا يا رسول الله؟ قال: الرحمة التي جعلها الله في بني آدم وإنما يرحم الله من عباده الرحماء (7) وهذه الصديقة الطاهرة تبكي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقول: يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه (8) وهذه هي سلام الله عليها وقفت على قبر أبيها الطاهر وأخذت قبضة من تراب القبر فوضعتها على عينها وبكت وأنشأت تقول:
ماذا على من شم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا؟
صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام صرن لياليا (9)