ولا تجعل قراءتي قراءة لا تدبر فيها، بل اجعلني أتدبر آياته وأحكامه آخذا بشرايع دينك، ولا تجعل نظري فيه غفلة، ولا قراءتي هذرمة (1) إنك أنت الرؤف الرحيم.
فصل: فيما نذكره مما ينبغي أن يقرء في مدة الشهر كله.
اعلم أنه من بلغ فضل الله عليه إلى أن يكون متصرفا في العبادات المندوبات بأمر يعرفه في سره، فيعتمد عليه، فإنه يكون مقدار قراءته في شهر رمضان بقدر ذلك البيان، وأما من كان متصرفا في القراءة بحسب الأمر الظاهر في الأخبار، فإنه بحسب ما يتفق له من التفرغ والاعذار، فإذا لم يكن له عائق عن استمرار القراءة في شهر الصيام، فليعمل ما روي عن وهب بن حفص، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن الرجل في كم يقرء القرآن، قال في ست، فصاعدا، قلت: في شهر رمضان؟
قال: في ثلاث فصاعدا.
ورويت عن جعفر بن قولويه باسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تعجبني أن يقرء القرآن في أقل من الشهر.
واعلم أن المراد من قرائتك القرآن أن تستحضر في عقلك وقلبك أن الله جل جلاله يقرء عليك كلامه بلسانك، فتستمع مقدس كلامه، وتعترف بقدر إنعامه وتستفهم المراد من آدابه، ومواعظه وأحكامه.
فان قلت: لا يقوم ضعف البشرية والأجزاء الترابية بقدر معرفة حرمة الجلالة الإلهية، فليكن أدبك في الاستماع والانتفاع على قدر أنه لو قرء عليك بعض ملوك الدنيا كلاما قد نظمه وأراد منك أن تفهم معانيه وتعمل بها وتعظمه فلا ترض لنفسك وأنت مقر بالاسلام أن يكون الله جل جلاله دون مقام ملك في الدنيا يزول ملكه لبعض الأحلام.
وإن قلت: لا أقدر على بلوغ هذه المرتبة الشريفة، فلا أقل أن يكون استماعك وانتفاعك بالقراءة المقدسة المنيفة كما لو جاءك كتاب من والدك أو ولدك