جلاله - وظائف هذه الليلة من غير تثاقل ولا تكاسل ولا إعجاب، فأنت ذلك المخلوق من التراب، الذي شرفك مولاك رب الأرباب، وخلصك من ذلك الأصل الذميم وأتحفك بهذا التكريم والتعظيم، واخدمه واعرف له قدر المنة عليك، ولا يخطر بقلبك إلا أن هذه العبادة من أعظم إحسانه إليك، وأنت تعبده لأنه أهل والله للعبادة فإنك مستعظم لنفسك كيف بلغ بك إلى هذه السعادة.
واعلم أنك إن عبدته لأجل طلب أجرة على عبادتك، كنت في مخاطرتك كرجل كان عليه لبعض الغرماء الأقوياء الأغنياء ديون لا يقوم لها حكم العدد و الاحصاء، فاجتاز هذا الذي عليه الديون الكثيرة، مع غريمه صاحب الحقوق الكثيرة، على سوق فيه حلاوة، فاقتضى إنعام الغريم أنه اشترى لهذا الذي عليه الدين العظيم، طبقا من تلك الحلاوة العظيمة اللذات، وكلفه حملها إلى دار الغريم ليأكلها الذي عليه الديون وحده على أبلغ الشهوات، فلما أكلها الذي عليه الديون الكثيرة وفرغ من أكلها، قال للغريم: إن هذه الحلاوة قد حملتها معك، فأعطني رغيفا اجرة حملها، فقال له الغريم: إنما حملتها على سبيل المنة عليك، و لتصل هذه الحلاوة إليك، وما كنت محتاجا أنا إليها، ولي ديون كثيرة عليك ما طالبتك بها، فكيف اقتضى عقلك أن تطلب رغيفا أجرة حمل حلاوة ما كلفتك وزن ثمن لها، فهل يسترضي أحد من ذوي العقول السليمة ما فعله الذي عليه الديون من طلب تلك الأجرة الذميمة.
فكذا حال العبد مع الله جل جلاله، فان القوة التي عمل بها الطاعات من مولاه، والعقل والنقل الذي عمل به العبادات من ربه مالك دنياه واخراه، و العمل الذي كلفه إياه إنما يحصل نفعه للعبد على اليقين، والله جل جلاله مستغن من عبادة العالمين، ولله جل جلاله على عباده من النعم بانشائه وإبقائه وإرفاده وإسعاده ما لا يحصيها الإنسان، ولو بالغ في اجتهاده، فلا يقتضى العقل والنقل أن يعبد لأجل طلب الثواب، بل يعبد الله جل جلاله لأنه أهل للعبادة.
وله المنة عليك، كيف رفعك عن مقام التراب والدواب وجعلك أهلا للخطاب والجواب