بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ١٧٩
أبو بكر على ناقة له حتى وقف على باب المسجد فقال: أيها الناس ما لكم تموجون إن كان محمد قد مات فرب محمد (صلى الله عليه وآله) لم يمت " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب عى عقبيه فلن يضر الله شيئا " (1) ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة وجاؤا به إلى سقيفة بنى ساعدة .
(١) آل عمران: ١٤٤، وإنما قال ذلك بعد ما كان ينكر عمر موته (صلى الله عليه وآله)، وهذا أيضا متفق عليه قال الطبري في تاريخه ج 3 ص 200: توفى رسول الله وأبو بكر بالسنح وعمر حاضر، فحدثنا ابن حميد - بالاسناد - عن أبي هريرة قال: لما توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام عمر بن الخطاب فقال: ان رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفى وان رسول الله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع بعد أن قيل قد مات، ووالله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله مات.
أقول: إنما كان عمر ينكر وفات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا التشدد والتهديد، ليكون موته (صلى الله عليه وآله وسلم) معلقا حتى يجتمع أهل العقدة، ولما جاء أبو بكر من السنح وقال هذا المقال قبل منه وسكت:
روى ابن سعد في الطبقات ج 2 ق 2 ص 5، باسناده عن عروة بن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله) مات وأبو بكر بالسنح فقام عمر فجعل يقول: " والله ما مات رسول الله - قالت: قال عمر: والله ما كان يقع في نفسي الا ذاك [أقول: لقد كان يشك في تصديق الناس له في هذه المزعمة حتى أقسم بالله] وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، فجاء أبو بكر فكشف عن وجه النبي فقبله وقال: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا و الذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموت مرتين أبدا.
ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك فلم يكلم أبا بكر وجلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ثم قال: الا من كان يعبد محمدا الحديث.
أفترى أنه قد كان يشك في موته (صلى الله عليه وآله وسلم) ولئن شك في يوم وفاته فمعلوم أنه لم يشك في يوم أحد قبل سنوات حين نادى المنادى: " ألا ان محمدا قد قتل " ففر مع من فر من أصدقائه، حتى عيرهم الله عز وجل بقوله هذا " وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية، أو لعلك ترى أن الآية نزلت وصرخت في صماخ الفارين عن زحف أحد وهو منهم، لكنه لم يلتفت بذلك حتى تلاه أبو بكر عليه يوم وفات الرسول صلى الله عليه وآله؟
ولقد اعترف بذلك ابن أبي الحديد في شرحه ج 1 ص 129 حيث قال: ان عمر كان أجل قدرا من أن يعتقد ما ظهر منه في هذه الواقعة [يعنى نكيره موت الرسول حتى أنه كان يقول (ج 1 ص 130 نفس المصدر) وهكذا مرآة الجنان لليافعي 1 / 59 نقلا عن الترمذي في كتاب الشمائل لا أسمع رجلا يقول مات رسول الله الا ضربته بسيفي] ولكنه لما علم أن رسول الله قد مات، خاف من وقع فتنة في الإمامة وتغلب أقوام عليها اما من الأنصار أو غيرهم إلى آخر ما سيجئ من كلامه في محله، لكن يبقى عليه أنه كيف سكت بعد مجيئ أبى بكر؟ أهو الذي كان منصوصا عليه بالولاية من بعد الرسول حتى يكون حضوره مانعا للفتنة في الإمامة؟ نعم قد كانوا تعاقدوا فيما بينهم عقدا وكان ينتظر مجيئ شيخهم وقدوتهم، وبعد ما جاء أبو بكر وحضر أبو عبيدة بن الجراح، انطلقوا إلى سقيفة بنى ساعدة