بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ١٨٧
وألبسك الهيبة فلا يروعك شئ، وأسدد لك رأيك فتصيب كل شئ، وأسخر لك جسدك فتحس كل شئ، وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما جندين من جندك: النور يهديك، والظلمة تحوطك (1) وتحوش عليك الأمم من ورائك.
فانطلق ذو القرنين برسالة ربه عز وجل وأيده الله بما وعده، فمر بمغرب الشمس فلا يمر بأمة من الأمم إلا دعاهم إلى الله عز وجل، فإن أجابوه قبل منهم وإن لم يجيبوه أغشاهم الظلمة، فأظلمت مدائنهم وقراهم وحصونهم وبيوتهم ومنازلهم، وأغشت أبصارهم و دخلت في أفواههم وآنافهم (2) وأجوافهم فلا يزالوا فيها متحيرين حتى يستجيب الله عز وجل ويعجوا إليه، حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجد عندها الأمة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه، ففعل بهم ما كان فعله بمن مر به قبلهم، حتى فرغ مما بينه وبين المغرب ووجد جمعا وعددا لا يحصيه إلا الله عز وجل، وقوة وبأسا لا يطيقه إلا الله، وألسنة مختلفة، وأهواء متشتة، وقلوبا متفرقة.
ثم مشى على الظلمة ثمانية أيام وثمان ليال وأصحابه ينظرونه حتى انتهى إلى الجبل الذي هو محيط بالأرض كلها، فإذا بملك من الملائكة قابض على الجبل وهو يقول:
سبحان ربي من الان إلى منتهى الدهر، سبحان ربي من أول الدنيا إلى آخرها، سبحان ربي من موضع كفي إلى عرش ربي، سبحان ربي من منتهى الظلمة إلى النور، فلما سمع ذو القرنين خر ساجدا فلم يرفع رأسه حتى قواه الله عز وجل وأعانه على النظر إلى ذلك الملك، فقال له الملك: كيف قويت يا ابن آدم على أن تبلغ إلى هذا الموضع ولم يبلغه أحد من ولد آدم قبلك؟ قال ذو القرنين: قواني على ذلك الذي قواك على قبض هذا الجبل (3) وهو محيط بالأرض كلها، قال له الملك: صدقت ولولا هذا البجل لا نكفأت الأرض بأهلها، (4) وليس على وجه الأرض جبل أعظم منه، وهو أول جبل أسسه الله (5) عز وجل، فرأسه ملصق

(1) أي تحفظك وتعهدك.
(2) في المصدر: أفواههم وآذانهم وأجوافهم. م (3) " بعد ذلك: فأخبرني عنك أيها الملك، قال: انى موكل بهذا الجبل وهو اه‍. م (4) أي مالت بأهلها وقلبتها.
(5) ": أثبته الله. م
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»
الفهرست