فإنه حبل الله المتين وسببه الأمين، وفيه ربيع القلب وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره - وساق الخطبة إلى قوله -: فإياكم والتلون في دين الله فإن جماعة فيما تكرهون من الحق خير من فرقة فيما تحبون من الباطل، وإن الله سبحانه لم يعط أحدا بفرقة خيرا ممن مضى ولا ممن بقي.
بيان: أول الكلام إشارة إلى المنع من العمل بالآراء والمقائيس والاجتهادات الباطلة. والتضريس: الإحكام. حتى يعرف ما أنكر أي يتخيل أنه عرفه ولم يعرفه بدليل وبرهان. ولا ضياء حجة تعميم بعد التخصيص. والتلون أيضا العمل بالآراء والمقائيس فإنها تستلزم اختلاف الأحكام.
77 - المحاسن: أبي، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام في رسالته إلى أصحاب الرأي والقياس: أما بعد فإنه من دعا غيره إلى دينه بالارتياء والمقائيس لم ينصف ولم يصب حظه، لأن المدعو إلى ذلك لا يخلو أيضا من الارتياء والمقائيس، ومتى ما لم يكن بالداعي قوة في دعائه على المدعو لم يؤمن على الداعي أن يحتاج إلى المدعو بعد قليل لأنا قد رأينا المتعلم الطالب ربما كان فائقا للمعلم ولو بعد حين، ورأينا المعلم الداعي ربما احتاج في رأيه إلى رأي من يدعو، وفي ذلك تحير الجاهلون وشك المرتابون وظن الظانون، ولو كان ذلك عند الله جائزا لم يبعث الله الرسل بما فيه الفصل ولم ينه عن الهزل ولم يعب الجهل، ولكن الناس لما سفهوا الحق وغمطوا النعمة، واستغنوا بجهلهم وتدابيرهم عن علم الله واكتفوا بذلك دون رسله والقوام بأمره، وقالوا: لا شئ إلا ما أدركته عقولنا وعرفته ألبابنا، فولاهم الله ما تولوا وأهملهم وخذلهم حتى صاروا عبدة أنفسهم من حيث لا يعلمون ولو كان الله رضي منهم اجتهادهم وارتياءهم فيما ادعوا من ذلك لم يبعث الله إليهم فاصلا لما بينهم ولا زاجرا عن وصفهم، وإنما استدللنا أن رضى الله غير ذلك ببعثة الرسل بالأمور القيمة الصحيحة، والتحذير عن الأمور المشكلة المفسدة، ثم جعلهم أبوابه و صراطه والأدلاء عليه بأمور محجوبة عن الرأي والقياس، فمن طلب ما عند الله بقياس ورأي لم يردد من الله إلا بعدا، ولم يبعث رسولا قط وإن طال عمره قابلا من الناس خلاف ما جاء به حتى يكون متبوعا مرة وتابعا أخرى، ولم ير أيضا فيما جاء به استعمل