فكبكبوا فيها. أقول: ذكر أكثر المفسرين أن ضمير " هم " راجع إلى الآلهة، ولا يخفى أن ما ذكره عليه السلام أظهر. والعدل: كل أمر حق يوافق العدل والحكمة من الطاعات والأخلاق الحسنة والعقائد الحقة.
5 - تفسير علي بن إبراهيم: أبي، عن الاصفهاني، عن المنقري، عن حفص، قال قال أبو عبد الله عليه السلام: يا حفص ما أنزلت (1) الدنيا من نفسي إلا بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلت منها، يا حفص إن الله تبارك وتعالى علم ما العباد (عليه) عاملون، وإلى ما هم صائرون، فخلم عنهم عند أعمالهم السيئة لعلمه السابق فيهم، فلا يغرنك حسن الطلب ممن لا يخاف الفوت. ثم تلا قوله تعالى: تلك الدار الآخرة. الآية. وجعل يبكي ويقول: ذهبت والله الأماني عند هذه الآية، ثم قال: فاز والله الأبرار، تدري من هم؟ (هم) الذين لا يؤذون الذر كفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار بالله جهلا، يا حفص إنه يغفر الجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد، ومن تعلم وعمل وعلم لله دعي في ملكوت السماوات عظيما، فقيل: تعلم لله، وعمل لله، وعلم لله. قلت: جعلت فداك فما حد الزهد في الدنيا؟ فقال:
فقد حد الله في كتابه فقال عز وجل: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم. إن أعلم الناس بالله أخوفهم لله، وأخوفهم له أعلمهم به، وأعلمهم به أزهد هم فيها. فقال له رجل:
يا بن رسول الله أوصني، فقال: اتق الله حيث كنت فإنك لا تستوحش.
بيان: ما أنزلت الدنيا من نفسي لفظة من إما بمعنى في أو للتبعيض أي من منازل نفسي، كأن للنفس مواطن ومنازل للأشياء تنزل فيها على حسب درجاتها ومنازلها عند الشخص. قوله عليه السلام: ذهبت والله الأماني أي ما يرجوه الناس ويحكمونه ويتمنونه على الله بلا عمل، إذ الآية تدل على أن الدار الآخرة ليست إلا لمن لا يريد شيئا من العلو في الأرض والفساد، وكل ظلم علو، وكل فسق فساد. والذر: النمل الصغار، والمراد عدم إيذاء أحد من الناس، أو ترك إيذاء جميع المخلوقات حتى الذر، ولا ينافي ما ورد في بعض الأخبار من جواز قتل النمل وغيرها، إذ الجواز لا ينافي الكراهة، مع أنه يمكن حملها على ما إذا كانت مؤذية. قوله: لكيلا تأسوا أي لكيلا تحزنوا. قوله: فإنك لا تستوحش أي بل يكون الله تعالى أنيسك في كل حال.