الثلاث فهي الحجة البالغة التي بينها الله في قوله لنبيه: قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين. يبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله، كما يعلمه العالم بعلمه لأن الله عدل لا يجور، يحتج على خلقه بما يعلمون، يدعوهم إلى ما يعرفون لا إلى ما يجهلون وينكرون. فأجازه الرشيد ورده. والخبر طويل.
توضيح: قسم عليه السلام أمور الأديان إلى أربعة أقسام ترجع إلى أمرين: أحدهما ما لا يكون فيه اختلاف بين جميع الأمة من ضروريات الدين التي لا يحتاج في العلم بها إلى نظر واستدلال. وقوله عليه السلام: على الضرورة إما صلة للإجماع أي على الأمر الضروري، أو تعليل له أي إنما أجمعوا للضرورة التي اضطروا إليها. وقوله: الأخبار بدل من الضرورة ولا يبعد أن يكون في الأصل " للأخبار " وهي أي الأخبار المجمع عليها كذلك غاية جميع الاستدلالات التي تنتهي إليها وتعرض عليها كل شبهة وتستنبط منها كل حادثة.
وثانيهما ما لا يكون من ضروريات الدين فيحتاج في إثباته إلى نظر واستدلال ومثله يحتمل الشك والإنكار فسبيل مثل هذا الأمر استنصاح أهل هذا الأمر من العالمين به لمنتحليه أي لمن أذعن به من غير علم وبصيرة، والاستنصاح لعله مبالغة من النصح أي يلزمهم أن يبينوا لهم بالبرهان على سبيل النصح والإرشاد، ويحتمل أن يكون في الأصل " الاستيضاح " أي طلب الوضوح لهم.
ثم قسم عليه السلام ذلك الأمر باعتبار ما يستنبط منه إلى ثلاثة أقسام، فتصير بانضمام الأول أربعة: الأول: ما يستنبط بحجة من كتاب الله لكن إذا كانت بحيث أجمعت الأمة على معناها ولم يختلفوا في مدلولها لا من المتشابهات التي تحتمل وجوها واختلفت الأمة في مفادها. والثاني: السنة المتواترة التي أجمعت الأمة على نقلها أو على معناها.
والثالث: قياس عقلي برهاني تعرف العقول عدله أي حقيته ولا يسع لأحد إنكاره لا القياس الفقهي الذي لا ترتضيه العقول السليمة، وهذا إنما يجري في أصول الدين لا في الشرائع والأحكام التي لا تعلم إلا بنص الشارع، ولذا قال عليه السلام: وهذان الأمران أي بالقسمة الأولية يكون من جميع الأمور الدينية أصولها وفروعها من أمر التوحيد الذي هو أعلى المسائل الأصولية إلى أرش الخدش الذي هو أدنى الأحكام الفرعية، والغرض