الاخوان، ضربوا في البلاد لتحصيلها، وطلبوها في الأصقاع والأقطار طلبا حثيثا حتى اجتمع عندي بفضل ربي كثير من الأصول المعتبرة التي كان عليها معول العلماء في الأعصار الماضية، وإليها رجوع الأفاضل في القرون الخالية، فألفيتها مشتملة على فوائد جمة خلت عنها الكتب المشهورة المتداولة، واطلعت فيها على مدارك كثير من الاحكام اعترف الأكثرون بخلو كل منها عما يصلح أن يكون مأخذا له فبذلت غاية جهدي في ترويجها وتصحيحها وتنسيقها وتنقيحها.
ولما رأيت الزمان في غاية الفساد ووجدت أكثر أهلها حائدين (1) عما يؤدي إلى الرشاد خشيت أن ترجع عما قليل إلى ما كانت عليه من النسيان والهجران، وخفت أن يتطرق إليها التشتت، لعدم مساعدة الدهر الخوان، ومع ذلك كانت الاخبار المتعلقة بكل مقصد منها متفرقا في الأبواب، متبددا في الفصول، قلما يتيسر لاحد العثور على جميع الأخبار المتعلقة بمقصد من المقاصد منها، ولعل هذا أيضا كان أحد أسباب تركها، وقلة رغبة الناس في ضبطها.
فعزمت بعد الاستخارة من ربي والاستعانة بحوله وقوته، والاستمداد من تأييده ورحمته، على تأليفها ونظمها وترتيبها وجمعها، في كتاب متسقة (2) الفصول والأبواب، مضبوطة المقاصد والمطالب، على نظام غريب وتأليف عجيب لم يعهد مثله في مؤلفات القوم ومصنفاتهم، فجاء بحمد الله كما أردت على أحسن الوفاء، وأتاني بفضل ربي فوق ما مهدت وقصدت على أفضل الرجاء. فصدرت كل باب بالآيات المتعلقة بالعنوان ثم أوردت بعدها شيئا مما ذكره بعض المفسرين فيها إن احتاجت إلى التفسير والبيان. ثم إنه قد حاز كل باب منه إما: تمام الخبر المتعلق بعنوانه، أو: الجزء الذي يتعلق به مع إيراد تمامه في موضع آخر أليق به، أو: الإشارة إلى المقام المذكور فيه لكونه أنسب بذلك المقام، رعاية لحصول الفائدة المقصودة مع الايجاز التام. وأوضحت ما يحتاج من الاخبار إلى الكشف ببيان شاف على غاية الايجاز