أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وقتل عثمان بن عفان تخوفت على نفسي الفتنة، فاعتزمت على اعتزال الناس، فتنحيت إلى ساحل البحر، فأقمت فيه حينا لا أدرى ما فيه الناس، (معتزلا لأهل البحر (1) والارجاف (2)) (3).
فخرجت من بيتي لبعض حوائجي، وقد ها (4) الليل ونام الناس، فإذا أنا برجل على ساحل البحر يناجى ربه ويتضرع إليه بصوت شجى (5) وقلب حزين فنصت (6) له وأصغيت (7) إليه من حيث لا يراني، فسمعته يقول: يا حسن الصحبة، يا خليفة النبيين، أنت أرحم الراحمين، البدئ البديع الذي ليس كمثلك شئ، والدائم غير الغافل، والحي الذي لا يموت، أنت كل يوم في شأن، أنت خليفة محمد، وناصر محمد، ومفضل محمد، أنت الذي (8) أسألك أن تنصر وصى محمد، والقائم بالقسط بعد محمد، اعطف عليه نصرك أو توفني برحمة.
قال: ثم رفع رأسه، فقعد (9) مقدار التشهد، ثم إنه سلم فيما أحسب تلقاء وجهه، ثم مضى فمشى على الماء، فناديته من خلفه: كلمني يرحمك الله، فلم يلتفت، وقال: الهادي خلفك، فاسأله عن أمر دينك، قال:
قلت: من هو؟ قال: وصى محمد من بعده، فخرجت متوجها إلى الكوفة، فأمسيت دونها، فبت قريبا من الحيرة، فلما أجنني الليل إذ أنا برجل قد أقبل حتى استتر برابية (10) ثم صف قدميه، فأطال المناجاة، وكان فيما قال: اللهم إني