وجدهم، وآذوا النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه أذى شديدا، وضربوهم في ظل الطريق، وحصروهم في الشعب، وقطعوا عنهم المادة من الأسواق، فلم يدعوا أحدا من الناس يدخل عليهم بطعام، ولا شيئا مما يرزقونهم، فكانوا يخرجون من الشعب إلى الموسم، فكانت قريش تبادرهم إلى الأسواق، فيشرونها ويغلونها عليهم، ونادى منادي الوليد في قريش: أيما رجل وجدتموه عند طعام يشتريه فزيدوا عليه.
4 - وبالاسناد، ومن الجزء المذكور، يليه بلا فاصلة، قال، عن ابن إسحاق في حديثه عن الوليد: فمن رأيتموه عند طعام يشتريه، فزيدوا عليه، وحولوا بينهم وبينه، ولم يكن عنده نقد فليشتر على النقد، ففعلوا ذلك ثلاث سنين، حتى بلغوا القوم الشديد، وحتى سمعوا أصوات صبيانهم يتصائحون من وراء الشعب، فكان المشركون يكرهون ما فيه بنو هاشم من البلاء، حتى كره عامة قريش ما أصاب ببني هاشم، وأظهروا كراهيتهم لصحيفتهم القاطعة الظالمة، التي تعاهدوا فيها على محمد صلى الله عليه وآله ورهطه، وحتى أراد رجل منهم أن يبرء منها.
وكان أبو طالب يخاف أن يغتالوا رسول الله صلى الله عليه وآله ليلا وسرا، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أخذ مضجعه أو رقد، بعثه أبو طالب من فراشه، وجعله بينه وبين بنيه، خشية أن يغتالوه.
وتصبح قريش، فيسمعون من الليل أصوات صبيان بني هاشم الذين في الشعب يتصايحون من الجوع، فإذا أصبحوا، جلسوا عند الكعبة، فيسأل بعضهم بعضا، فيقول الرجل لصاحبه: كيف بات أهلك البارحة؟ فيقول:
بخير، لكن إخوانكم هؤلاء الذي في الشعب بات صبيانهم يتصايحون من الجوع حتى أصبحوا. فمنهم من يعجبه ما يلقى محمد صلى الله عليه وآله ورهطه، ومنهم من يكره ذلك.
فقال أبو طالب: وهو يذكر ما طلبوا من محمد صلى الله عليه