فقبل عبد الملك رأس أبي، وقال: صدقت، إن في اليوم الذي قتل فيه أبوك علي (1) ابن أبي طالب عليه السلام كان على باب أبي مروان حجر عظيم، فأمر أن يرفعوه فرأينا تحته دما عبيطا يغلي.
وكان لي أيضا حوض كبير في بستاني وكان حافتاه حجارة سوداء، فأمرت أن ترفع ويوضع مكانها حجارة بيض، وكان في ذلك اليوم قتل الحسين عليه السلام فرأيت دما عبيطا يغلي تحتها، أفتقيم عندنا ولك من الكرامات ما تشاء، أم ترجع؟
قال أبي: بل أرجع إلى قبر جدي. فأذن بالانصراف. فبعث قبل خروجنا بريدا يأمر أهل كل منزل أن لا يطعمونا ولا يمكنونا من النزول في بلد حتى نموت جوعا، فكلما بلغنا منزلا طردونا، وفنى زادنا حتى أتينا مدين شعيب، وقد أغلق بابه، فصعد أبي جبلا هناك مطلا على البلد - أو مكانا مرتفعا عليه - فقرأ:
* (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أريكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) * (2) ثم رفع صوته وقال: وأنا - والله - بقية الله.
فأخبروا الشيخ بقدومنا وأحوالنا، فحملوه إلى أبي، وكان معهم من الطعام كثير، فأحسن ضيافتنا، فأمر الوالي بتقييد الشيخ فقيده ليحملوه إلى عبد الملك لأنه خالف أمره.
قال الصادق عليه السلام: فاغتممت [لذلك] وبكيت، فقال والدي: لا بأس من عبد الملك بالشيخ، ولا يصل إليه، فإنه يتوفى في أول منزل ينزله.
وارتحلنا حتى رجعنا إلى المدينة بجهد. (3)