كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ١٩٨
ودما ناقصا محتاجا ولا يصح ان يكون الفاعل في الغائب هكذا والوجه في الاستدلال بالشاهد على الغائب إنما هو بالحقائق دون ما سواها وليس حقيقة الفاعل ان يكون جسما ولو كان كذلك لكان كل جسم فاعلا وكل فاعل جسما كما أن الحركة لما كان حقيقتها أن تكون زوالا كان كل زوال حركة وكل حركة زوال فهذا هو الأصل الثابت الذي يجب ان يتماثل فيه الشاهد والغائب فيجب ان يتأمله ويعتمد عليه فالفائدة كثيرة فيه وأما الذي يدل على بطلان مقال الذين يدعون ان الله تعالى جسم لا كالاجسام فهو ان حقيقة الجسم قد ذكرناها فمتى قال القائل انه جسم أوجب الحقيقة بعينها فان قال لا كالاجسام نفي ما أوجب فكان قد ناقض فإن قالوا هذا لازم لكم في قولكم انه شئ لا كالأشياء قيل لهم ليس الامر كما ذكرتم لأن قولنا شئ يستفاد منه الاثبات والمثبتات مختلفات من أجسام وجواهر واعراض فإذا قلنا شئ لا كالأشياء أثبتنا معلوما مخبرا عنه ونفينا المماثلة بينه وبين سائر المثبتات ولم ننف حقيقة الشئ التي هي الاثبات وقول الله تعالى ليس كمثله شئ يدل على ما ذكرنا وقولنا جسم يستفاد منه حنس مخصوص من الموجودات دون ما سواه وإذا قلنا جسم لا كالاجسام أثبتنا جسما ثم نفيناه وهذا هو التناقض الذي ذكرناه واعلم أن التسمية إنما يحسن اجراؤها على المسمى متى ثبت له معناها فإن لم يثبت ذلك لم يصح اجراؤها إلا على جهة التقليب وبطل ان يصح فيه معنى الجسم على التحقيق وفسد قول من زعم أنه جسم ولم يصح ان يسميه بهذا الاسم وليس لاحد ان يسمى الله عز وجل بما لم يسم به نفسه ولم يثبت دليل على جواز تسميته به فاما من زعم أنه جسم لأنه قائم بنفسه وان هذا حد الجسم عنده وحقيقته فغير مصيب في قوله واللغة تشهد بخطئه وذلك انا وجدنا أهل اللسان يقولون هذا إذا زاد عليه في طوله وعرضه وعمقه فلو لا ان حقيقة الجسم عندهم هي ان يكون طويلا عريضا عميقا لم يكن الامر كما ذكرناه فان قال القائل أليس قد اشتهر عن أحد متكلميكم وهو هشام بن الحكم انه كان يقول إن معبوده جسم على صفة الأجسام فكيف خالفتموه في ذلك بل كيف لم تتبرأوا منه وهو على هذا المقال قلنا أما هشام بن الحكم رحمة الله عليه قد اشتهر عنه الخبر بأنه كان ينصر التجسيم ويقول إن الله تعالى جسم لا كالاجسام ولم يصح عنه ما قرنوه به من القول بأنه مماثل لها ويدل على ذلك انا رأينا خصومه يلزمونه على قوله بان فاعل الأجسام جسم ان يكون طويلا عريضا عميقا فلو كان يرى أنه مماثل للأجسام لم يكن معنى لهذا الالزام فاما مخالفتنا لهذا (المقام فهو اتباع لما ثبت من الحق بواضح البرهان) وانصراف عنه وأما موالاتنا هشاما رحمه الله فهي لما
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»