والعادة من النهى عن جميع البخس الزائد على الحبة والأمثله في ذلك كثيرة فاما دليل الخطاب فهو ان الحكم إذا علق ببعض صفات المسمى في الذكر دل ذلك على أن ما خالفه في الصفة مما هو داخل تحت الاسم بخلاف ذلك الحكم إلا أن يقوم دليل على وفاقه فيه كقول النبي صلى الله عليه وآله في سائمة الإبل الزكاة فتخصيصه السائمة بالزكاة دليل على أن العاملة ليس فيها زكاة ويجوز تأخير بما ان المراد من القول المجمل إذا كان في ذلك لطف للعباد وليس ذلك من المحال وقد أمر الله قوم موسى ان يذبحوا بقرة وكان مراده أن تكون على صفة مخصوصة ولم يقع البيان مع قوله إن الله يأمركم ان تذبحوا بقرة بل تأخر عن ذلك وانكشف لهم عند السؤال بحسب ما اقتضاه لهم الصلاح وليس ينافي تأخير البيان القول بان الامر على الفور والبدار وذلك أن تأخير البيان عن الامر الموقت بمستقبل من الزمان إما بمجرد لفظ يفيد ذلك أو قرينة من برهان هو غير الامر المطلق العرى من القرائن الذي ظن أنه يقتضي الفور والبدار ولا يجوز تأخير بيان العموم لأن العموم موجب بمجردة الاستيعاب فمتى اطلقه الحكيم ومراده التخصيص ولم يبين ذلك فقد اتى بالغاز وليس هذا كتأخير بيان المجمل من الكلام وبينهما فرق والأسماء النكرة موضوعة في أصل اللغة للجنس دون التعيين فإذا ورد الامر بفعل يتعلق بنكرة وجب ايقاعه على ما يستحق بمعناه سمة الجنس سوى ما زاد عليه فمن ذلك ما يفيد أقل ما يدخل تحت الجنس كقول القائل لغيره تصدق بدرهم فامتثال هذا الامر ان يتصدق بدرهم كائنا ما كان من الدراهم وليس النهي بالنكرة كالأمر بها لأن الامر ههنا يقتضي التخصيص والنهي يقتضي العموم راو قال النبي صلى الله عليه وآله لاحد أصحابه لا تدخرن درهما ولا دينارا لاقتضى ذلك ان لا يدخر منهما شيئا ولو قال له تصدق بدرهم ودينار لأفاد ذلك ان يتصدق بهما ولم يلزمه ان يتجاوزهما وليس القول بان الامر بالنكرة يقتضي ان يفعل أي واحد كان من الجنسين بمفسد ما تقدم من القول في تأخير البيان عن قوم موسى عليه السلام كما امروا بذبح بقرة بلفظ التنكير لأن حالهم يقتضي ان مع الامر لهم بذبحها قد كانت لهم قرينة اقتضت التوقف والسؤال في سؤالهم ذلك على ذلك ولو تعرى الامر من القرينة لكان مجرد وروده بالتنكير يقتضي الامتثال في أي واحد كان من الجنسين ومن هذا الباب ان يرد الامر (بلفظ التثنية والتنكير كقوله اعط فلانا درهمين فالواجب الامتثال في أي درهمين كانا على معنى ما تقدم من القول ومنه ان يرد الامر) بلفظ الجمع المنكر كقوله تصدق بدراهم فليس يفيد ذلك أكثر من أقل العموم وهو ثلاث ما لم يقع التبيين واعلم أن العموم على ثلاثة اضرب فضرب هو أصل الجمع المفيد لاثنين فما زاد وذلك لا يكون إلا فيما اختصت عبارة الاثنين به في العدد فهو عموم من حيث الجمع
(١٩١)