فإن قيل: إن الإنسان يدرك ألم الصداع في موضعه ضرورة.
قلنا: فلم نركم أشرتم إلى حاسة بعينها أدركه بها؟.
ولنا أن نقول: وكذلك المريد في الحقيقة، يعلم بتغير حسه، ويدرك ذلك من نفسه ضرورة.
(فصل) من كلام شيخنا المفيد رضي الله تعالى عنه في الإرادة.
قال: الإرادة من الله جل اسمه نفس الفعل، ومن الخلق الضمير وأشباهه مما لا يجوز إلا على ذوي الحاجة والنقص.
وذاك أن العقول شاهدة بأن القصد لا يكون إلا بقلب، كما لا تكون الشهوة والمحبة إلا لذي قلب، ولا تصح النية والضمير والعزم إلا على ذي خاطر يضطر معها في الفعل الذي يغلب عليه إلى الإرادة له، والنية فيه والعزم.
ولما كان الله تعالى يجل عن الحاجات، ويستجيل عليه الوصف بالجوارح والآلات، ولا يجوز عليه الدواعي والخطرات، بطل أن يكون محتاجا في الأفعال إلى القصود والعزمات، وثبت أن وصفه بالإرادة مخالف في معناه لوصف العباد، وأنها نفس فعله الأشياء، وإطلاق الوصف بها عليه مأخوذ من جهة الاتباع دون القياس، وبذلك جاء الخبر عن أئمة الهدى عليهم السلام.
قال شيخنا المفيد رحمه الله:
" أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام:
(أخبرني عن الإرادة من الله تعالى ومن الخلق؟.
فقال: الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد (كذا) الفعل، والإرادة