وأيضا فلو كان الله سبحانه مريدا فيما لم يزل، إما لنفسه وإما بإرادة قديمة معه، لوجب أن يكون مراده معه فيما لم يزل، لأنه لا مانع له مما أراده، ولا حائل بينه وبينه، ولكان ما يوجده من الأفعال لا تختلف أوقاته، [ولا] يتأخر بعضه عن بعض، لأن الإرادة حاصلة موجدة في كل وقت، وهذا كله موضح أنه عز وجل ليس بمريد فيما لم يزل، لا لنفسه ولا لا رادة قديمة معه.
وإذا بطل هذا لم يبق إلا أن يكون مريدا بعد أن لم يكن مريدا بإرادة محدثة، وهذا أيضا يستحيل، لأن الإرادة لا تكون إلا عرضا، والعرض يفتقر إلى محل، والله تعالى غير محل للأعراض، ولا يجوز أن تكون إرادته حالة في غيره، كما لا يجوز أن يكون عالما بعلم يحل في غيره، وقادرا بقدرة تحل في غيره.
ولا يجوز أيضا أن تكون لا فيه ولا في غيره، لأنه عرض، والعرض يفتقر إلى محل يحملها، ويصح بوجوده وجودها.
ولو جاز أن توجد إرادة لا في مريد بها، ولا في غيره، الجاز أن توجد حركة لا في متحرك بها ولا في غيره.
فإن قيل أن الحركة هيئة للجسم، وليس يجوز أن تكون هيئة غير حالة فيه.
قلنا: ولم لا يجوز ذلك؟.
فإن قيل: لأن تغير هيئة الجسم مدرك بالحاسة، فوجب أن يكون المعنى الذي يتغير به حالا فيه.
قلنا: وكذلك المريد للشئ بعد أن لم يكن مريدا له، قد يتغير عليه حس نفسه، فوجب أن تكون إرادته تحله.
فإن قيل: بأي شئ من الحواس تحس الإرادة؟.
قلنا: وبأي شئ من الحواس يحس الصداع.