مقتضب الأثر - أحمد بن عياش الجوهري - الصفحة ٣٤
وبقومك الموعد، وقد كنت وعدته قبل عامي ذلك ان أفد إليه بقومي، فلم أته وأتيته في عام الحديبية، فقلت: يا رسول الله! بنفسي أنت ما كان ابطائي عنك الا ان جلة قومي أبطئوا عن إجابتي حتى ساقها الله إليك لما أراد لها من الخير لديك، فاما من تأخر عنه فحظ فات منك، ذلك أعظم حوبة (1) وأكثر عقوبة ولو كانوا ممن سمع بك أو رآك لما ذهبوا عنك، فان برهان الحق في مشهدك ومحتدك (2) وقد كنت على دين النصرانية قبل أن تأتيني إليك الأولى فها أنا تاركه بين يديك إذ ذلك مما يعظم الاجر ويمحوا المآثم والحوب ويرضى الرب عن المربوب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا ضامن لك يا جارود! قلت: أعلم يا رسول الله انك بذلك ضمين قمين (3) قال: فدن الآن بالوحدانية ودع عنك النصرانية، قلت: اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وانك عبده ورسوله ولقد أسلمت على علم بك وبناء فيك: علمته من قبل، فتبسم صلى الله عليه وآله وسلم كأنه علم ما أردته من الانباء فيه فاقبل على وعلى قومي فقال: أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الأيادي؟ قلت: يا رسول الله كلنا نعرفه غير انى من بينهم عارف بخبره واقف على أثره، كان قس بن ساعدة يا رسول الله سبطا من أسباط العرب عمر خمسمائة عام تقفر منها في البراري خمسة أعمار يضج بالتسبيح على منهاج المسيح، لا يقره قرار ولا يكنه جدار (4) ولا يستمتع منه جار، لا يفتر من الرهبانية ويدين الله بالوحدانية يلبس المسموح ويتحسى في سياحته بيض النعام (5) ويعتبر بالنور والظلام يبصروا يتفكر فيختبر،

(1) الحوبة: الاثم.
(2) المحتد: الأصل.
(3) القمين: الخليق الجدير.
(4) كن الشئ: ستره في كنه وغطاه وأخفاه وصانه من الشمس.
(5) المسوح جمع المسح بالكسر: ما يلبس من نسيج الشعر على البدين تقشعا وقهرا للجسد. تحسى المرق: شربه شيئا بعد شئ
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»