ثم قبض قبضة من نثر دوحات كأنهن قضبان اللجين، فاشتمها ثم ردها في أيدينا، وقال: تحيوا بها فأخذناها فإذا هي بعر غزلان فقال لنا:
لا تظنوا أنها من غزلان الدنيا، بل هي من غزلان الجنة، تعمر هذه البقعة وتؤنسها وتنثر فيها الطيب.
قال قيس بن سعد بن عبادة: كيف لنا بأن نرسم هذه البقعة بأبصارنا، وهذا الليل بظلمته يمنعنا من ذلك؟ فقال لهم: هذا عسكرنا حائر لا يهتدي مسيره، فقال له محمد ابن أبي بكر يا مولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنة، فأين فضلك الكبير لا يدركنا؟ فانفرد أمير المؤمنين (عليه السلام) في جانب من البقعة، وصلى ركعتين ودعا بدعوات فإذا الشمس قد رجعت من مغربها فوقفت في كبد السماء فهلل العسكر وكبروا وخر أكثرهم سجدا لله، ونظروا إلى البقعة وعرفوها وعلموا أين هي من الفرات وهي كربلاء ثم سار العسكر على الجادة وغربت الشمس.
وأما الثالثة فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) انكفأ من النهروان بعد قتله الخوارج حتى قرب من أرض بابل وقد وجبت صلاة العصر في أرض بابل، فلما وجبت أقبل الناس من العسكر وهم سائرون يقولون: يا أمير المؤمنين، الصلاة ليلا، ثم يجري في ارض قد خسف الله فيها بطشه وهي ارض لا يصلي لها نبي ولا وصي، فأقبل الناس يصلون إلى أن غربت الشمس وقد صلى أهل المعسكر الا أمير المؤمنين وجويرية بن مسهر يقول:
والله لأقلدن صلاتي لأمير المؤمنين فإني أصلها وقد صلاها سائر العسكر، ولي بأمير المؤمنين أسوة، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ما صليت؟
فقال: لا يا أمير المؤمنين ما صليت، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): أذن وأقم حتى نصلي العصر، فصلى أمير المؤمنين وهو منفرد من العسكر ودعا بدعوات من الإنجيل لم يسمع أحد منها كلمة الا جويرية فإنه سمعه يقول: اللهم إني أسألك باسمك الأعظم ودعا بالكلمات