كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري - الصفحة ٣٤٩
ساحر (1) فذكرت لك ذلك بالمدينة فاجتمع رأيي ورأيك على أنه ساحر؟
فقال عمر: (يا هؤلاء إن أباكم يهجر فاخبوه واكتموا ما تسمعون منه لا يشمت بكم أهل هذا البيت). ثم خرج وخرج أخي وخرجت عائشة ليتوضأوا للصلاة، فأسمعني من قوله ما لم يسمعوا.
إقرار أبي بكر بدخوله في تابوت جهنم فقلت له لما خلوت به: يا أبه، قل: (لا إله إلا الله). قال: (لا أقولها أبدا ولا أقدر عليها حتى أرد النار فأدخل التابوت. فلما ذكر التابوت ظننت أنه يهجر. فقلت له: أي تابوت؟
فقال: تابوت من نار مقفل بقفل من نار، فيه اثنا عشر رجلا، أنا وصاحبي هذا. قلت:
عمر؟ قال: نعم، فمن أعني؟ وعشرة في جب في جهنم عليه صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع الصخرة.
لعن عمر على لسان أبي بكر قلت: تهذي؟ قال: (لا والله ما أهذي. لعن الله ابن صهاك. هو الذي صدني عن الذكر بعد إذ جاءني فبئس القرين (2)، لعنه الله، الصق خدي بالأرض)، فألصقت خده بالأرض

(١). روي في البحار: ج ٨ ص ١٠٩ ح ١٠ بأسناده عن خالد بن نجيح، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، سمى رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر الصديق؟ قال: نعم. قلت: فكيف؟ قال: حين كان معه في الغار قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لأرى سفينة جعفر بن أبي طالب تضطرب في البحر ضالة. قال: يا رسول الله، وإنك لتراها؟ قال: نعم. قال: فتقدر أن ترينيها؟ فقال: ادن مني. قال: فدنا منه فمسح على عينيه، ثم قال: أنظر.
فنظر أبو بكر فرأى السفينة وهي تضطرب في البحر. ثم نظر إلى قصور أهل المدينة. فقال في نفسه: الآن صدقت أنك ساحر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصديق أنت (٢). قال الله تعالى في سورة الفرقان: الآيات ٣١ - ٢٧: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جائني وكان الشيطان للإنسان خذولا، وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا، وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا).
وقال تعالى في سورة زخرف: الآيات ٣٩ - ٣٦: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون، حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين، ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون).
وروي في الكافي - كتاب الروضة - ص ٢٧ في حديث طويل بأسناده عن الإمام الباقر عليه السلام: أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه، فقال:... ولئن تقمصها دوني الأشقيان ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة واعتقداها جهالة فلبئس ما عليه وردا ولبئس ما لأنفسهما مهدا، يتلاعنان في دورهما ويتبرء كل واحد منهما من صاحبه. يقول لقرينه إذا التقيا: (يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين).
فيجيبه الأشقى على رثوثة: (يا ليتني لم أتخذك خليلا، لقد أضللتني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا). فأنا الذكر الذي عنه ضل والسبيل الذي عنه مال والإيمان الذي به كفر والقرآن الذي إياه هجر والدين الذي به كذب والصراط الذي عنه نكب. ولئن رتعا في الحطام المنصرم والغرور المنقطع وكانا منه على شفا حفرة من النار، لهما على شر ورود في أخيب وفود وألعن مورود، يتصارخان باللعنة ويتناعقان بالحسرة، ما لهما من راحة ولا عن عذابهما من مندوحة...
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»
الفهرست