كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري - الصفحة ٢٤٥
البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر " (1).
ولقد كان منهم بعض من تفضله أنت وأصحابك - يا ابن قيس - فارين، فلا رمى بسهم ولا ضرب بسيف ولا طعن برمح (2). إذا كان الموت والنزال لاذ وتوارى واعتل، ولاذ كما تلوذ النعجة العوراء لا تدفع يد لامس، وإذا لقي العدو فر ومنح العدو دبره جبنا ولؤما (3)، وإذا كان عند الرخاء والغنيمة تكلم، كما قال الله: " سلقوكم بألسنة حداد

(١) سورة آل عمران: الآية ١١٨. وقوله " لا تألونا خبالا " أي لا تقصرون في فساد الأمور.
(٢) روي في البحار: ج ٢٩ ص ٥٦٤ خطبة أمير المؤمنين عليه السلام الذي قال فيه:
يا معشر المجاهدين المهاجرين والأنصار أين كانت سبقة تيم وعدي إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة؟ إلا كانت يوم الأبواء إذ تكاثفت الصفوف، وتكاثرت الحتوف، وتقارعت السيوف؟ أم هلا خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبد ود وقد نفح بسيفه، وشمخ بأنفه، وطمح بطرفه؟ ولم لم يشفقا على الدين وأهله يوم بواط إذ اسود لون الأفق، وأعوج عظم العنق، وانحل سيل الغرق؟ ولم لم يشفقا يوم رضوى إذ السهام تطير، والمنايا تسير، والأسد تزأر؟ وهلا بادرا يوم العشيرة إذ الأسنان تصطك، والأذان تستك، والدروع تهتك؟ وهلا كانت مبادرتهما يوم بدر، إذ الأرواح في الصعداء ترتقي، والجياد بالصناديد ترتدي، والأرض من دماء الأبطال ترتوي؟ ولم لم يشفقا على الدين يوم بدر الثانية، والرعابيب ترعب، والأوداج تشخب، والصدور تخضب؟ أم هلا بادرا يوم ذات الليوث، وقد أبيح المتولب، واصطلم الشقب، وادلهم الكوكب؟ ولم لا كانت شفقتهما على الإسلام يوم الكدر، والعيون تدمع، والمنية تلمع، والصفائح تنزع.
ثم عدد وقائع النبي صلى الله عليه وآله كلها على هذا النسق، وقرعهما بأنهما في هذه المواقف كلها كانا من النظارة والخوالف والقاعدين، فكيف بادرا الفتنة بزعمهما يوم السقيفة وقد توطأ الإسلام بسيفه، واستقر قراره، وزال حذاره.
(3) روي في البحار: ج 20 ص 228: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر عمر بن الخطاب في يوم الخندق أن يبارز ضرار بن الخطاب، فلما برز إليه ضرار انتزع له عمر سهما. فقال ضرار: ويلك يا بن صهاك، أرمي في مبارزة؟
والله لئن رميتني لا تركت عدويا بمكة إلا قتلته. فانهزم عنه عمر ومر نحوه ضرار وضرب بالقناة على رأسه، ثم قال: احفظها يا عمر، فإني آليت أن لا أقتل قرشيا ما قدرت عليه. فكان عمر يحفظ له ذلك بعد ما ولي، وولاه وروي في البحار: ج 21 ص 11 ح 7 عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث سعد بن معاذ براية الأنصار إلى خيبر فرجع منهزما. ثم بعث عمر بن الخطاب براية المهاجرين فأتي بسعد جريحا، وجاء عمر يجبن أصحابه ويجبنونه.
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»
الفهرست