إقدام أمير المؤمنين عليه السلام لمحاربة أبي بكر وعمر فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مال الناس إلى أبي بكر فبايعوه وأنا مشغول برسول الله صلى الله عليه وآله بغسله ودفنه. ثم شغلت بالقرآن، فآليت على نفسي أن لا أرتدي إلا للصلاة حتى أجمعه في كتاب، ففعلت.
ثم حملت فاطمة وأخذت بيد ابني الحسن والحسين، فلم أدع أحدا من أهل بدر وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا ناشدتهم الله في حقي ودعوتهم إلى نصرتي.
فلم يستجب لي من جميع الناس إلا أربعة رهط: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير، ولم يكن معي أحد من أهل بيتي أصول به ولا أقوى به، أما حمزة فقتل يوم أحد، وأما جعفر فقتل يوم مؤتة، وبقيت بين جلفين جافيين ذليلين حقيرين عاجزين: العباس وعقيل، وكانا قريبي العهد بكفر.
فأكرهوني وقهروني، فقلت كما قال هارون لأخيه: (يا بن أم، إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني). فلي بهارون أسوة حسنة ولي بعهد رسول الله صلى الله عليه وآله حجة قوية.
قال عليه السلام: فقال الأشعث: كذلك صنع عثمان، استغاث بالناس ودعاهم إلى نصرته فلم يجد أعوانا فكف يده حتى قتل مظلوما.
قال عليه السلام: ويلك يا بن قيس، إن القوم - حين قهروني واستضعفوني وكادوا يقتلونني - لو قالوا لي: (نقتلك البتة) لامتنعت من قتلهم إياي ولو لم أجد غير نفسي وحدي، ولكن قالوا: (إن بايعت كففنا عنك وأكرمناك وقربناك وفضلناك وإن لم تفعل قتلناك).
فلما لم أجد أحدا بايعتهم، وبيعتي إياهم لا يحق لهم باطلا ولا يوجب لهم حقا.
فلو كان عثمان - حين قال له الناس: (اخلعها ونكف عنك) - خلعها لم يقتلوه، ولكنه قال: (لا أخلعها). قالوا: (فإنا قاتلوك)، فكف يده عنهم حتى قتلوه. ولعمري لخلعه إياها كان خيرا له، لأنه أخذها بغير حق ولم يكن له فيها نصيب وادعى ما ليس له وتناول حق غيره.