سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٧ - الصفحة ١٢٠
ليقتله، فهرب، والتجأ إلى أعدائه، ونفق عليهم تزخرفه وإفكه، ثم عثروا منه على قبيح دخلته وسوء عقيدته، وما يبطنه من الالحاد، ويرومه في الاسلام من الفساد، وما يلصقه بأعلام الصحابة من القبائح، ويضيفه إلى السلف الصالح من الفضائح، فطلبه الوزير المهلبي، فاستتر منه، ومات في الاستتار، وأراح الله، ولم يؤثر عنه إلا مثلبة أو مخزية (1).
وقال أبو الفرج بن الجوزي: زنادقة الاسلام ثلاثة: ابن الراوندي، وأبو حيان التوحيدي، وأبو العلاء المعري، وأشدهم على الاسلام أبو حيان، لأنهما صرحا، وهو مجمج ولم يصرح (2).
قلت: وكان من تلامذة علي بن عيسى الرماني (3)، ورأيته يبالغ في تعظيم الرماني في كتابه الذي ألفه في تقريظ الجاحظ، فانظر إلى المادح والممدوح! وأجود الثلاثة الرماني مع اعتزاله وتشيعه.
وأبو حيان له مصنف كبير في تصوف الحكماء، وزهاد الفلاسفة، وكتاب سماه " البصائر والذخائر " (4)، وكتاب " الصديق

(1) انظر " طبقات " السبكي 5 / 287.
(2) ذكر قول ابن الجوزي السبكي في " الطبقات " 5 / 288، والسيوطي في " بغية الوعاة " 2 / 191. ولم نجد ترجمة أبي حيان في " المنتظم "، وابن الجوزي ذكر نحوا من هذا الكلام و بأوسع منه في ترجمة أبي العلاء المعري في " المنتظم " 8 / 183، 185، وقد دافع السبكي عن أبي حيان، فقال: الحامل للذهبي على الوقيعة في التوحيدي مع ما يبطنه من بغض الصوفية! هذان الكلامان، ولم يثبت عندي إلى الآن من حال أبي حيان ما يوجب الوقيعة فيه، ووقفت على كثير من كلامه، فلم أجد فيه إلا ما يدل على أنه كان قوي النفس، مزدريا بأهل عصره، ولا يوجب هذا القدر أن ينال منه هذا النيل، وسئل الامام الوالد رحمه الله عنه، فأجاب بقريب مما أقول: " الطبقات " 5 / 288.
(3) مرت ترجمته في الجزء السادس عشر.
(4) نشر الجزء الأول منه الدكتور عبد الرزاق محيي الدين في بغداد سنة 1954، ونشره في القاهرة سنة 1953 أحمد أمين وأحمد صقر. ثم طبع بتمامه في دمشق.
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»