تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٣٣
الجواب أيضا لما أن القسم لإيجاب كما قال أبو حيان: بلن إلا في شاذ من الشعر. وقولهم: هذا جواب لتوبيخ اللعين بقوله: آمنتم الخ. وقوله تعالى: * (فاقض ما أنت قاض) * جواب عن تهديده بقوله: لأقطعن الخ أي فاصنع ما أنت بصدد صنعه أو فاحكم بما أنت بصدد الحكم به فالقضاء إما بمعنى الإيجاد الإبداعي كما في قوله تعالى: * (فقضاهن سبع سموات) * (فصلت: 12) وأما بمعناه المعروف. وعلى الوجهين ليس المراد من الأمر حقيقته، وما موصولة والعائد محذوف. وجوز أبو البقاء كونها مصدري وهو مبني على ما ذهب إليه بعض النحاة من جواز وصل المصدرية بالجملة الاسمية ومنع ذلك بعضهم، وقوله تعالى * (إنما تقضى ه‍اذه الحيواة الدنيا) * مع ما بعده تعليل لعدم المبالاة المستفاد مما سبق من الأمر بالقضاء، وما كافة و * (هذه الحياة) * منصوب محلا على الظرفية لتقضي والقضاء على ما مر ومفعوله محذوف أي إنما تصنع ما تهواه أو تحكم بما تراه في هذه الحياة الدنيا فحسب وما لنا من رغبة في عذبها ولا رهبة من عذابها، وجوز أن تكون ما مصدرية فهي وما في حيزها في تأويل مدر اسم أن وخبرها * (هذه الحياة) * أي أن قضاءك كائن في هذه الحياة، وجوز أن ينزل الفعل منزلة اللازم فلا حذف.
وقرأ ابن حيوة. وابن أبي عبلة * (إنما تقضي) * بالبناء للمفعول * (هذه الحياة) * بالرفع على أنه اتسع في الظرف فجعل مفعولا به ثم بنى الفعل له نحو صيم يوم الخميس.
* (إنآ آمنا بربنا ليغفر لنا خط‍اي‍انا ومآ أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى) * إنا ءامنا بربنا ليغفر لنا خطايانا) * التي اقترفناه من الكفر والمعاصي ولا يؤاخذنا بهذا في الدار الآخرة لا ليمتعنا بتلك الحياة الفانية حتى نتأثر بما أوعدتنا به.
وقوله تعالى: * (وما أكرهتنا عليه من السحر) * عطف على * (خطايانا) * أي ويغفر لنا السحر الذي عملناه في معارضة موسى عليه السلام بإكراهك وحشرك إيانا من المدائن القاصية خصوه بالذكر مع اندراجه في خطاياهم إظهارا لغاية نفرتهم عنه ورغبتهم في مغفرته، وذكر الإكراه للإيذان بأنه مما يجب أن يفرد بالاستفغار مع صدوره عنهم بالإكراه، وفيه نوع اعتذار لاستجلاب المغفرة، وقيل: إن رؤساءهم كانوا اثنين وسبعين اثنان منهم من القبط والباقي من بني إسرائيل وكان فرعون أكرههم على تعلم السحر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أخذ فرعون أربعين غلاما من بني إسرائيل فأمر أن يتعلمو السحر وقال: علموهم تعليما لا يغلبهم أحد من أهل الأرض وهم من الذين آمنوا بموسى عليه السلام وهو الذين قالوا: * (إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر) * (طه: 73)، وقال الحسن: كان يأخذ ولدار الناس ويجبرهم على تعلم السحر، وقيل: إنه أكرههم على المهعارضة حيث روى أنهم قالوا له: أرنا موسى نائم ففعل بوجوده تحرسه عصاه فقالوا: ما هذا بسحر فإن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى إلا أن يعارضو ولا ينافي ذلك قولهم: * (بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون) * (الشعراء: 44) لاكما أن قولهم: * (إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين) * (الأعراف: 113) قبله كما قيل: وزعم أبو عبيد أن مجرد أمر السلطان شخصا إكراه وإن لم يتوعده وإلى ذلك ذهب ساداتنا الحنفية كما في عامة كتبهم لما في مخالفة أمره من توقع المكروه لا سيما إذا كان السلطان جبارا طاغيا * (والله خير) * في حد ذاته تعالى * (وأبقى) * أي وأدوم جزاء ثوابا كان أو عقابا أو خير ثوابا
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»