تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٠٣
فهو لا يعجزه ما شاء من عذابهم.
* (ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور) *: نزلت في الأخنس بن شريق، كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم) ويحلف أنه ليحبه ويضمر خلاف ما يظهر قاله ابن عباس. وعنه أيضا: في ناس كانوا يستحيون أن يفضوا إلى السماء في الخلاء ومجامعة النساء. وقيل: في بعض المنافقين، كان إذا مر بالرسول صلى الله عليه وسلم) ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كي لا يرى الرسول قاله: عبد الله بن شداد. وقيل: في طائفة قالوا إذا أغلقنا أبوابنا، وأرخينا ستورنا، واستغشينا ثيابنا، وثنينا صدورنا، على عداوته كيف يعلم بنا؟ ذكره الزجاج. وقيل: فعلوا ذلك ليبعد عليهم صوت الرسول صلى الله عليه وسلم)، ولا يدخل أسماعهم القرآن ذكره ابن الأنباري. ويثنون مضارع ثنى قراءة الجمهور. وقرأ سعيد بن جبير: يثنون بضم الياء مضارع أثنى صدورهم بالنصب. قال صاحب اللوامح: ولا يعرف الأثناء في هذا الباب إلا أن يراد به وجدتها مثنية مثل أحمدته وأمجدته، ولعله فتح النون وهذا مما فعل بهم، فيكون نصب صدورهم بنزع الجار، ويجوز على ذلك أن يكون صدورهم رفعا على البدل بدل البعض من الكل. وقال أبو البقاء: ماضية أثنى، ولا يعرف في اللغة إلا أن يقال معناه: عرضوها للأثناء، كما يقال: أبعت الفرس إذا عرضته للبيع. وقرأ ابن عباس، وعلي بن الحسين، وابناه زيد ومحمد، وابنه جعفر، ومجاهد، وابن يعمر، ونصر بن عاصم، وعبد الرحمن بن ابزي، والجحدري، وابن أبي إسحاق، وأبو الأسود الدؤلي، وأبو رزين، والضحاك: تثنوني بالتاء مضارع اثنوني على وزن افعوعل نحو اعشوشب المكان صدورهم بالرفع، بمعنى تنطوي صدورهم. وقرأ أيضا ابن عباس، ومجاهد، وابن يعمر، وابن أبي إسحاق: يثنوني بالياء صدورهم بالرفع، ذكر على معنى الجمع دون الجماعة. وقرأ ابن عباس أيضا ليثنون بلام التأكيد في خبر إن، وحذف الياء تخفيفا وصدورهم رفع. وقرأ ابن عباس أيضا، وعروة، وابن أبي أبزي، والأعشى: يثنون ووزنه يفعوعل من الثن، بنى منه افعوعل وهو ما هش وضعف من الكلأ، وأصله يثنونن يريد مطاوعة نفوسهم للشيء، كما ينثني الهش من النبات. أو أراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم وصدورهم بالرفع. وقرأ عروة ومجاهد أيضا: كذلك إلا أنه همز فقرأ يثنئن مثل يطمئن، وصدورهم رفع، وهذه مما استثقل فيه الكسر على الواو كما قيل: أشاح. وقد قيل أن يثنئن يفعئل من الثن. المتقدم، مثل تحمار وتصفار، فحركت الألف لالتقائهما بالكسر، فانقلبت همزة. وقرأ الأعشى: يثنؤون مثل يفعلون مهموز اللام، صدورهم بالنصب. قال صاحب اللوامح: ولا أعرف وجهه لأنه يقال: ثنيت، ولم أسمع ثنأت. ويجوز أنه قلب الياء ألفا على لغة من يقول: أعطأت في أعطيت، ثم همز على لغة من يقول: * (ولا الضالين) * وقرأ ابن عباس: يثنوي بتقديم الثاء على النون، وبغير نون بعد الواو على وزن ترعوي. قال أبو حاتم: وهذه القراءة غلط لا تتجه انتهى. وإنما قال ذلك لأنه لاحط الواو في هذا الفعل لا يقال: ثنوته فانثوى كما يقال: رعوته أي كففته فارعوى فانكف، ووزنه أفعل. وقرأ نضير بن عاصم، وابن يعمر، وابن أبي إسحاق: يثنون بتقديم النون على الثاء، فهذه عشر قراءات في هذه الكلمة. والضمير في أنهم عائد على بعض من بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم) من الكفار أي: يطوون صدورهم على عدوانه. قال الزمخشري: يثنون صدورهم يزورون عن الحق وينحرفون عنه، لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره، ومن ازور عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه ليستخفوا منه، يعني: ويريدون ليستخفوا من الله، فلا يطلع رسوله والمؤمنين على ازورارهم. ونظير إضمار يريدون، لعود المعنى إلى إضماره الإضمار في قوله تعالى: * (أن اضرب بعصاك البحر فانفلق) * معناه: فضرب فانفلق. ومعنى ألا حين: يستغشون ثيابهم ويريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم أيضا كراهة لاستماع كلام الله كقول نوح عليه السلام: * (جعلوا أصابعهم فى واستغشوا ثيابهم وأصروا) * انتهى. فالضمير في منه على قوله عائد على الله، قال
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»