المبسوط - السرخسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٤٥
انك ان تدع عيالك أغنياء ولكنا نقول قدم صفة الغني لهم واختار الفقر لنفسه والأفضل ما اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ثم إنما قدم الغني على الفقير الذي يسأل كما قال من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس أي يلحون في السؤال ونحن إنما نقدم الفقير الصابر دون الذي يسأل كما وصفهم الله بقوله تعالى يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس الحافا وهذا لان الفقير مع الصبر أسلم للمرء وأزين للمؤمن قال عليه السلام الفقر أزين للمؤمن من العذار الجيد على جلد الفرس فأما الغني فسبب للطغيان والفتنة قال الله تعالى كلا ان الانسان ليطغى أن رآه استغنى وروى أن حمزة بن عبد المطلب أوصي إلى زيد بن حارثة يوم أحد وان عليا رضي الله عنه أوصى إلى الحسن رضي الله عنهم وفيه دليل ان للمرء أن يوصى إلى غيره في القيام بحوائجه بعد وفاته وهذا من نظر الشرع له أيضا فقد يفرط في بعض حوائجه في حياته أو تحترمه المنية فيحتاج إلى من يقوم مقامه في القيام بحوائجه بعد موته والايصاء إلى الغير كان مشهورا بين الصحابة رضي الله عنهم فان أبا بكر رضي الله عنه استخلف عمر وأوصى إلى عائشة رضي الله عنها في حوائجه وعمر أوصى إلى حفصة وتكلم الناس في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أوصى إلى أحد والصحيح عندنا انه لم يوص إلى أحد بشئ إنما أمر أبا بكر أن يصلي بالناس وبه استدلوا على خلافته فقالوا ما اختاره لامر ديننا الا وهو يرضي به لامر دنيانا وينبغي أن يوصي إلى من هو أقرب إليه إذا كان أهلا لذلك كما أوصى علي إلى ولده الحسن رضي الله عنه وأوصى حمزة إلى زيد بن حارثة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بينهما حين قدم المدينة وذكر عن ابن مسعود انه سئل عن انسان أوصى بسهم من ماله فقال هو السدس وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقال مطلق لفظ السهم في الوصية والاقرار ينصرف إلى السدس وهو مروى عن جماعة من أهل اللغة منهم اياس بن معاوية قالوا السهم السدس وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قالا للموصى له سهم مثل أخس سهام الورثة وروى ذلك في الكتاب عن شريح لان ماله يصير سهاما بين ورثته فذكر السهم ينصرف إلى ذلك وأخس السهام متيقن فيه إلا أن يجاوز السهم فحينئذ لا تنفذ الوصية فيما زاد على الثلث بدون إجازة الورثة وأبو حنيفة يقول هذا ان لو ذكر السهم معرفا وقد ذكره منكرا بقوله أوصيت لكم بسهم من مالي فينصرف إلى ما فسر أهل اللغة السهم به * وبيان المسألة يأتي في موضعه وعن عمر رضي الله عنه قال إذا أوصى الرجل بوصيتين فالأخيرة منهما أملك وبظاهره
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»
الفهرست