وهذا نوع حجر وإن كان أبو حنيفة رحمه الله لا يرى ذلك وهما يجوزان ذلك وليس الحبس بتفليس لأنه دلالة القدرة على أداء الدين لا دلالة العجز ولا يضرب المحبوس في الدين ولا يقيد ولا يقام ولا يؤاجر لأن هذه عقوبات زائدة ما ورد الشرع بها وإنما قلنا بالحبس ليكون حاملا له على قضاء الدين وإن كان فيه ضرب عقوبة بالنصوص ولا نص في الزيادة عليه فإنه روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال ليس في هذه الأمة صفد ولا قيد ولا غل ولا تجريد والصفد ما نقيد به الأيدي أراد بقوله لا يقام يعنى لا يؤمر بالقيام بين يدي صاحب المال إهانة له فان ذلك مع عقوبة ولا يؤاجر من غير اختياره لان ذلك نوع حجر عليه ولا يجوز ذلك في ماله فلأن لا يجوز في نفسه بطريق الأولى ويحبس الأبوان في نفقة الولد ولا تشتبه النفقة بالدين لان الانفاق على الولد إنما شرع صيانة للولد عن الهلاك والممتنع كالقاصد الهلاك ومن قصد اهلاك ولده يحبس بخلاف الدين فإنه ليس فيه قصد اهلاك نفسه ولا يخرج المحبوس في الدين بجمعة ولا عيد ولا حج ولا جنازة قريب أو بعيد لان الواجب أن يحبس على وجه لا يخلص بعد زمان حتى يضجر قلبه عند ذلك فيسارع في قضاء الدين فلو خرج أحيانا لا يضيق قلبه حينئذ ولهذا قالوا ينبغي أن يحبس في موضع خشن لا يتبسط له في فراش ولا وطاء ولا أحد يدخل عليه ليستأنس ليضجر قلبه بذلك وإذا سأل القاضي عن المحبوس بعد شهرين أو أكثر في السر فأخبره ثقة بعدمه خلى سبيله ولم يخل بين غريمه وبين لزومه وان شهد عليه شهود انه موسر أو ان له مالا أجزت شهادتهم ويترك المسألة في السر لان السؤال للاختبار ومتى ظهرت حاله بالشهادة لا تقع الحاجة إلى الاختبار وان أدى دين أحد الغريمين لم يخرج من السجن حتى يؤدى دين الآخر لان الظلم قائم ويحبس الرجل في الدرهم وفى أقل منه لان مانع الدرهم وما دونه ظالم وينبغي أن يكون محبس النساء في الدين على حدة ولا يكون معهن رجل حتى لا يؤدى إلى فتنة ولا يمنع المحبوس من دخول إخوانه وأهله عليه لأنه يحتاج إلى ذلك حتى يشاورهم في توجيه ديونه ولكن لا يمكنون من المكث عنده حتى يستأنس بهم ولا يحبس المكاتب لمولاه بالمكاتبة لأنه عبد ولا يليق به الحبس (ألا ترى) أنه لو عجز نفسه عن ذلك يسقط ويحبس بدين غير الكتابة قالوا أراد به في حق غير المولى وقال بعضهم يحبس بدين المولى وهو ملحق بالأجانب في المعاملات مع مولاه والأول أصح وإن كان للمكاتب على مولاه طعام ومكاتبته دراهم فان المولى يحبس في دين
(٩٠)