المبسوط - السرخسي - ج ١٥ - الصفحة ٧٥
يجعل العقد مضافا للانعقاد إلى وقت وجود المنفعة ليقترن الانعقاد بالاستيفاء فيتحقق بهذا الطريق التمكن من استيفاء المعقود عليه وهو معنى قول مشايخنا رحمهم الله أن الإجارة عقود متفرقة يتجدد انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة وإنما يفعل كذلك لحاجة الناس فالفقير محتاج إلى مال الغنى والغنى محتاج إلي عمل الفقير وحاجة الناس أصل في شرع العقود فيشرع على وجه ترتفع به الحاجة ويكون موافقا لأصول الشرع ثم يرد هذا العقد تارة على المنفعة وعلى العمل أخرى وفي الوجهين لا بد من اعلام ما يرد عليه العقد على وجه تنقطع به المنازعة فاعلام المنفعة ببيان المدة أو المسافة وذكر المدة لبيان مقدار العقود عليه لا للتوقيت في العقد فان المنافع لما كانت تحدث شيئا فشيئا فمقدارها يصير معلوما ببيان المدة بمنزلة الكيل والوزن في المقدرات أو ببيان المسافة فان مقدار السير والمشي يصير به معلوما واعلام العمل ببيان محله والمعقود عليه فيه وصف يحدثه في المحل من قصارة أو دباغة أو خياطة فيختلف مقداره باختلاف المحل ولهذا لا يتعين عليه إقامة العمل بيده إلا أن يشترط عليه ذلك فحينئذ يجب الوفاء بالشرط لأنه مفيد فبين الناس تفاوت في إقامة العمل بأيديهم وكما يجب اعلام ما يرد عليه العقد فيجب اعلام البدل لقطع المنازعة وقد دل عليه الحديث الذي بدأ به الكتاب ورواه عن أبي هريرة وأبى سعيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يستام الرجل على سوم أخيه ولا ينكح على خطبته وقال لا تناجشوا ولا تبيعوا بالقاء الحجر ومن استأجر أجيرا فليعلمه أجره وهذا حديث طويل بدأ ببعضه كتاب النكاح وببعضه كتاب الإجارات وهو مشهور تلقته العلماء رحمهم الله بالقبول وبالعمل به وفيه دليل على أنه لا يحل الاستيام على سوم الغير وهذا اللفظ يروى بروايتين بكسر الميم فيكون نهيا والنهى مجزوم ولكن المجزوم إذا حرك لاستقبال الألف واللام حرك بالكسر ويرفع الميم وهو نهى بصيغة الخبر وأبلغ ما يكون من النهى هذا كالأمر فان أبلغ الامر ما يكون بصيغة الخبر قال سفيان بن عيينة رحمه الله بظاهر الحديث إذا استام على سوم الغير واشترى أو نكح على خطبة الغير فالعقد باطل لان النهى يوجب فساد المنهي عنه ولكنا نقول هذا نهى لمعنى في غير المنهى عنه غير متصل به وهو الأذى والوحشة الذي يلحق صاحبه وذلك ليس من العقد في شئ فيوجب الاستياء ولا يفسد العقد كالنهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة ثم هذا النهى بعد ما ركن أحدهما إلى صاحبه فاما إذا ساومه بشئ ولم يركن أحدهما إلى صاحبه فلا بأس للغير أن يساومه ويشتريه
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»
الفهرست