قلنا لما كان المعقود عليه مما يحدث في المدة لا يتصور حدوثه جملة بل يكون شيئا فشيئا فهذا بمنزلة اشتراط الاجل أو أبلغ منه فان المطالبة بالتسليم تتأخر بالأجل فكذلك المطالبة بتسليم جميع المعقود عليه لا تثبت في الحال بل تتأخر إلى حدوث المنفعة وهذا أبلغ من ذلك لان بالأجل لا يتأخر انعقاد العقد وهنا يتأخر انعقاد العقد في حق المعقود عليه ولكن ليس بدين على الحقيقة لان الدين ما يثبت في الذمة والمنافع لا تثبت في الذمة والمحرم الدين بالدين فلكون المنفعة ليست بدين جوزنا العقد عند اختلاف الجنس وللجنسية أفسدنا العقد عند اتفاق الجنس والطريق الاخر ان جواز عقد الإجارة للحاجة فإنما يجوز على وجه ترتفع به الحاجة وفي مبادلة المنفعة بجنسها لا يتحقق ذلك لأنه كان متمكنا من السكنى قبل العقد ولا يحصل له بالعقد الا ما كان متمكنا منه باعتبار ملكه فاما عند اختلاف جنس المنفعة الحاجة متحققة وبالعقد يحصل له ما لم يكن حاصلا قبله فصاحب السكنى قد تكون حاجته إلى خدمة العبد أو ركوب الدابة ثم إن عند اتحاد الجنس إذا استوفى أحدهما المنفعة فعليه أجر المثل في ظاهر الرواية وذكر الكرخي عن أبي يوسف رحمهما الله انه لا شئ عليه لان تقوم المنفعة بالتسمية والمسمى بمقابلة المستوفى من المنفعة والمنفعة ليست بمال متقوم في نفسها وجه ظاهر الرواية أنه استوفي المنفعة بحكم عقد فاسد فعليه أجر المثل كما لو استأجر دارا ولم يسم الاجر وسكنها وهذا لان الفاسد من العقد معتبر بالجائز فكما أن المنفعة تتقوم بالعقد الجائز فكذلك بالعقد الفاسد وإذا أجر داره من رجل شهرا بثوب بعينه فسكنها لم يكن له أن يبيع الثوب من المستأجر ولا من غيره قبل القبض لان الأجرة إذا كانت ثوبا بعينه فهو كالمبيع وبيع المبيع قبل القبض لا يجوز من البائع ولا من غيره قال (ألا ترى) انه لو هلك كان على المستأجر أجر مثلها وهذا إشارة إلى بقاء الغرر والمكيل في الملك المطلق للتصرف وكذلك كل شئ بعينه من العروض والحيوان أو الموزون وتبر الذهب والفضة وفي هذا إشارة إلى أن التبر يتعين بالتعيين وقد بينا اختلاف الروايات في كتاب الشركة وإن كان الاجر شيئا من المكيل والموزون بغير عينه موصوفا كان له أن يبيعه من المستأجر قبل أن يقبضه منه لان المكيل والموزون يثبت في الذمة ثمنا والاستبدال بالثمن قبل القبض جائز فكذلك بالأجر فان ابتاع به منه شيئا بعينه جاز ان قبضه في المجلس أو لم يقبضه لأنهما افترقا عن عين بدين وان ابتاع منه شيئا بغير عينه فلا يفارقه حتى يقبض منه فان فارقه قبل أن يقبضه انتقض البيع لأنهما افترقا عن دين بدين وهو الحكم
(١٤٠)