المبسوط - السرخسي - ج ١٢ - الصفحة ٣٤
الغزاة في سبيل الله فمراده التقرب وذلك بصرف المال إلى المحتاجين منهم وفي اللفظ ما يدل عليه شرعا قال الله تعالى من أصناف الصدقات وفي سبيل الله * ثم يصرف الصدقة إلى الفقراء من الغزاة دون الأغنياء * والحاصل انه متى ذكر مصرفا فيه تنصيص علي الفقر والحاجة فهو صحيح سواء كانوا يحصون أو لا يحصون لان المطلوب وجه الله تعالى ومتى ذكر مصرفا يستوى فيه الأغنياء والفقراء فإن كانوا يحصون فذلك صحيح لهم باعتبار أعيانهم وان كانوا لا يحصون فهو باطل إلا أن يكون في لفظه ما يدل على الحاجة استعمالا بين الناس لا باعتبار حقيقة اللفظ كاليتامى فحينئذ ان كانوا يحصون فالفقراء والأغنياء فيه سواء وان كانوا لا يحصون فالوقف صحيح وتصرف إلى فقرائهم دون أغنيائهم لان الاستعمال بمنزلة الحقيقة في جواز تصحيح الكلام باعتباره وتمام بيان هذه الفصول في كتاب الوصايا. قال (وان جعل أرضا له مسجدا لعامة المسلمين وبناها وأذن للناس بالصلاة فيها وأبانها من ملكه فأذن فيه المؤذن وصلى الناس جماعة صلاة واحدة أو أكثر لم يكن له أن يرجع فيه وان مات لم يكن ميراثا) لأنه حرزها عن ملكه وجعلها خالصة لله تعالى قال الله تعالى وأن المساجد لله وقال عليه الصلاة والسلام من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله تعالى له بيتا في الجنة ولا رجوع له فيما جعله لله تعالي خالصا كالصدقة التي أمضاها. ثم عند أبي يوسف يصير مسجدا إذا أبانه عن ملكه وأذن للناس بالصلاة فيه وإن لم يصل فيه أحدكما في الوقف على مذهبه ان الوقف يتم بفعل الواقف من غير تسليم إلى المتولي وعند محمد لا يصير مسجدا ما لم يصل الناس فيه بالجماعة. بنى على مذهبه ان الوقف لا يتم الا بالتسليم إلى المتولي وعن أبي حنيفة فيه روايتان في رواية الحسن عنه يشترط إقامة الصلاة فيه بالجماعة وفي رواية غيره عنه قال إذا صلى فيه واحد يصير مسجدا وإن لم يصل بالجماعة. وجه رواية الحسن أن تمام التبرع بحصول المقصود به بدليل الصدقة فالمقصود بها اغناء المحتاج ثم لا يتم ما لم يحصل هذا المقصود بالتسليم إليه فهنا المقصود من المساجد إقامة الصلاة فيها بالجماعة لان جميع وجه الأرض موضع الصلاة وإنما تبنى المساجد لإقامة الصلاة فيها بالجماعة فلا تصير مسجدا قبل حصول هذا المقصود.
وجه الرواية الأخرى أن المقصود أن المسجد موضع السجود وقد حصل ذلك بالصلاة فيه منفردا كان أو بجماعة وقد بينا ان الواحد من المسلمين ينوب عن جماعتهم فيما هو حقهم فتجعل صلاة الواحد فيه كصلاة الجماعة * وقد بينا نظيره في نزول الخان والدفن في المقبرة
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»
الفهرست