المبسوط - السرخسي - ج ١٢ - الصفحة ٣٢
تصدق بها في حياته في صحته كان ذلك من جميع ماله وإذا تصدق به في مرضه كان ذلك من ثلاثة لأنه إزالة الملك بطريق التبرع. ثم لا خلاف أنه لو قال تصدقت بأرضى هذه على الفقراء والمساكين انه لا يكون وقفا بل يكون ذلك نذرا بالصدقة إذا قصد به الالزام فان عين انسانا فهو تصدق عليه بطريق التمليك ولا يتم الا بالتسليم ولو قال وقفت أرضى هذه أو حبستها أو حرمتها أو هي موقوفة أو محبوسة أو محرمة فهذا باطل بالاتفاق لان كلامه يحتمل فعل مراده وقفتها على ملكي لتكون مصروفة في حاجتي أو على قضاء ديوني فان قال لإنسان بعينه وقفتها لك أو حبستها لك أو قال هي لك وقف أو حبس فهو باطل أيضا الا على قول أبى يوسف فإنه يقول يكون تمليكا منه يتم بالتسليم إليه بقوله لك. وقول وقف أو حبس باطل. ووجه ظاهر الرواية أن قوله وقف أو حبس تفسير لقوله لك فيمنع ذلك تمليك الغير منه والكلام المبهم إذا اقترن به تفسير كان الحكم لذلك التفسير كقوله داري لك سكنى تكون عارية فان قال هي صدقة موقوفة على الفقراء والمساكين أخرجها من يده إلى يد قيم يقوم بها وينفق عليها في مرمتها واصلاح مجاريها ويزرعها ويرفع من غلتها ما يحتاج إليه لنوائبها ويقسم الباقي بعد ذلك في كل سنة على الفقراء والمساكين فهذه صدقة جائزة وليس له أن يرجع فيها لاستجماع شرائط الوقف على قول من يقول بلزوم الوقف من القسمة والتسليم واخراج الأصل عن ملكه والتأييد في جهة صرف الغلة ما بقيت الدنيا وإنما يبدأ من غلتها بمرمتها واصلاح مجاريها لأنها لا تبقى منتفعا بها الا بعد ذلك ومقصود الواقف أن تكون الصدقة جارية له إلى يوم القيامة كما قال عليه الصلاة والسلام كل عمل ابن آدم ينقطع بموته الا ثلاثة علم علمه الناس فهم يعملون به بعد موته وولد صالح يدعو له وصدقة جارية له إلي يوم القيامة وفى بعض الروايات قال الا سبعا وذكر من جملة ذلك نهرا أكراه وخانا بناه ومصحفا سبله وإنما يرفع من غلتها ما يحتاج إليه لنوائبها لأنه لا يتمكن من الزراعة الا بذلك ولان الغلة لا تطيب من الأراضي الخراجية الا بأداء الخراج وإنما قصد الواقف أن يكون التصدق عنه بأطيب المال وذلك عند أداء النوائب فلهذا يرفع الوالي من غلتها ما يحتاج إليه لنوائبها ويقسم الباقي بعد ذلك في كل سنة وليس هذا بتوقيت لازم ولكن يقسم عند حصول الغلة ومن الأراضي ما يغل في السنة مرتين ومنها ما يغل في السنة مرة فكما حصلت الغلة ينبغي له أن يقسم ما يحصل من النوائب في الفقراء والمساكين ولا يؤخر لما في التأخير من الآفات وفى
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»
الفهرست