وهذا كان الحكم حين كانت الهجرة فريضة فأمرهم بأن يعلموهم بذلك وهو أن يجرى عليهم حكم الله تعالى لالتزامهم وانقيادهم لدين الحق وليس لهم في الفئ ولا في الغنيمة نصيب لامتناعهم من الجهاد والقيام بنصرة الدين أو الاشتغال بتعلم أحكام الدين ففيه دليل أن النصيب في الغنيمة والفئ لهذين الفريقين والغنيمة اسم للمال المصاب بالقتال على وجه يكون فيه اعلاء كلمة الله تعالى واعزاز دينه والفئ اسم للمصاب من أموالهم بغير قتال كالخراج والجزية قال الله تعالى وما أفاء الله على رسوله الآية فان أبوا فادعوهم إلى اعطاء الجزية وهذا عام دخله الخصوص فالمراد من يقبل منهم الجزية من أهل الكتاب أو المجوس أو عبدة الأوثان من العجم فاما المرتدون وعبدة الأوثان من العرب لا تقبل منهم الجزية ولكنهم يقاتلون إلى أن يسلموا قال الله تعالى تقاتلونهم أو يسلمون أي حتى يسلموا فإن كانوا ممن تقبل منهم الجزية بحب عرض ذلك عليهم إذا امتنعوا من الايمان لأنه أصل ما ينتهى به القتال قال الله تعالى حتى يعطوا الجزية عن يد وبقبول ذلك يصيرون من أهل دارنا ويلتزمون أحكامنا فيما يرجع إلى المعاملات فيدعون إليه والمراد بالاعطاء القبول والالتزام فان فعلوا ذلك فاقبلوا منهم وكفوا عنهم وإذا حاصرتم أهل حصن أو مدينة فأرادوكم أن تنزلوهم على حكم الله تعالى فلا تنزلوهم فإنكم لا تدرون ما حكم الله تعالى فيهم وبه يستدل محمد رحمه الله تعالى على أنه لا يجوز إنزال المحاصرين على حكم الله تعالى وأبو يوسف رحمه الله تعالى يجوز ذلك ويقول كان هذا في ذلك الوقت فان الوحي كان ينزل والحكم يتغير ساعة فساعة فالذين كانوا بالبعد من رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يدرون ما نزل بعدهم من حكم الله تعالى فأما الآن فقد استقر الحكم وعلى أن الحكم في المشركين الدعاء إلى الاسلام وتخلية سبيلهم ان أجابوا قال الله تعالى فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم فان أبوا فالدعاء إلى التزام الجزية فان أبوا فقتل المقاتلة وسبى الذرية ومحمد رحمه الله تعالى يقول لا يجوز الانزال على حكم الله تعالى كما ذكر في الحديث فان الحكم الذي ذكره أبو يوسف رحمه الله تعالى في قوم وقع الظهر عليهم فأما في قوم محصورين ممتنعين في أنفسهم نزلوا على حكم الله تعالى فلا يدري أن الحكم هذا أو غيره وفى هذا اللفظ دليل لأهل السنة والجماعة على أن المجتهد يخطئ ويصيب فإنه قال فإنكم لا تدرون ما حكم الله فيهم ولو كان كل مجتهد مصيبا لكان يعلم حكم الله فيهم بالاجتهاد
(٧)