المبسوط - السرخسي - ج ١٠ - الصفحة ٨٩
وان كانوا موادعين ألا ترى أنهم بعد مضى المدة يعودون حربا للمسلمين ولا يمنع التجار من دخول دار الحرب بالتجارات ما خلا الكراع والسلاح فإنه يتقوون بذلك على قتال المسلمين فيمنعون من حمله إليهم وكذلك الحديد فإنه أصل السلاح قال الله تعالى وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومن دخل منهم دار الاسلام بغير أمان جديد سوى الموادعة لم يتعرض له لأنه آمن بتلك الموادعة ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يتعرضوا له في داره فكذلك إذا دخل دار الاسلام قد دخل أبو سفيان رضي الله عنه المدينة في زمن الهدنة ولم يتعرض له أحد بشئ وكذلك لو دخل رجل منهم دار حرب أخرى فظهر المسلمون عليهم لم يتعرضوا له لأنه في أمان المسلمين حيث كان بمنزلة ذمي يدخل دار الحرب ثم يظهر المسلمون على تلك الدار وإذا اشتري الحربي المستأمن في دار الاسلام عبدا مسلما أو ذميا أو أسلم بعض عبيده الذين أدخلهم لم يترك ليرده إلى دار الحرب لأنه مسلم ولا يترك في ملك الكافر ليستذله ولكن يجبر على بيعه من المسلمين بمنزلة الذمي يسلم عبده (فان قيل) الذمي ملتزم أحكام الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات والمستأمن غير ملتزم لذلك (قلنا) المستأمن ملتزم ترك الاستخفاف بالمسلمين فانا ما أعطيناه الأمان ليستذل المسلم إذ لا يجوز اعطاء الأمان على هذا فلهذا يجبر على بيعه وان رجع المستأمن إلى دار الحرب وقد أدان في دار الاسلام وأودع ودبر ثم أسر وظهر على تلك الدار وقتل فنقول اما مدبروه وأمهات أولاده فهم أحرار ان قتل فغير مشكل وكذلك إذا استرق لأنه صار مملوكا والرق اتلاف له حكما ولأنهم خرجوا من ملكه لوجود المنافي ولا يصيرون في ملك غيره لان المدبر وأم الولد لا يحتمل ذلك فلهذا كان حرا واما الدين فهو يسقط عمن عليه لخروجه من أن يكون أهلا للملك ولان الدين لا يرد عليه القهر ليصير مملوكا للسابي إذ هو في ذمة من عليه ويده إلي ما في ذمته أسبق من يد غيره فصار محرزا له والودائع فئ لأنها تدخل تحت القهر ويد المودع كيد المودع ولو كانت في يده حين سبى كان ذلك فيئا فكذلك أن كان في يد مودعه وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى انها مملوكة للمودعين لان أيديهم إليها أسبق حين سقط عنها يد الحربي بالأسر فصاروا محرزين لها دون الغانمين وهذا كله لان بقاء حكم الأمان له في هذه الأموال ما لم يتقرر المنافي وقد تقرر ذلك حين أسر وظهر المسلمون على الدار وان دخل بعبده المسلم الذي اشتراه أو أسلم في يده في دار الحرب عتق في قول أبي حنيفة رحمه الله ولم يعتق في قول
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»
الفهرست