المبسوط - السرخسي - ج ١٠ - الصفحة ١٧٥
التورع عنه من الجرح ما لا يخفى وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لم ينبغ له أن يقبل منه شيئا لان أكبر الرأي فيما لا يوقف على حقيقة كاليقين (قال) وكان شيخنا الامام رحمه الله تعالى يقول الصبي إذا أتي بقالا بفلوس يشترى منه شيئا وأخبره أن أمه أمرته بذلك فان طلب الصابون ونحوه فلا بأس ببيعه منه وان طلب الزبيب وما يأكله الصبيان عادة فينبغي له أن لا يبيعه لأن الظاهر أنه كاذب فيما يقول وقد عثر على فلوس أمه فيريد أن يشترى بها حاجة نفسه وان قال الصبي هذا لي وقد أذن لي أبى في أن أهبه لك أو أتصدق به عليك لم ينبغ له أن يقبله منه لان ليس للأب ولاية الاذن بهذا التصرف لولده بخلاف ما إذا قال أبى بعثه إليك على يدي صدقة أو هبة لان للأب هذه الولاية في مال نفسه فكان ما أخبره مستقيما وكذلك الفقير إذا أتاه عبد أو أمة بصدقة من مولاه ولو أن رجلا علم أن جارية لرجل يدعيها ثم رآها في يد رجل آخر يبيعها ويزعم أنها كانت في يد فلان وذلك الرجل يدعى أنها له وكانت مقرة له بالملك غير أنه زعم أنها كانت لي وإنما أمرته بذلك الامر خفية وصدقته الجارية بذلك والرجل ثقة مسلم فلا بأس بشرائها منه لأنه أخبر بخبر مستقيم محتمل ولو كان ما أخبر به معلوما للسامع كان له ان يشتريها منه فكذلك إذا أخبره بذلك ولا منازع له فيه وإن كان في رأيه انه كاذب لم ينبغ له ان يشتريها ولا يقبلها لأنه ثبت عنده انها مملوكة للأول فان اقرار ذي اليد بان الأول كان يدعى انها مملوكته حين كانت في يده يثبت الملك له وكذلك سماع هذا الرجل منه انها له دليل في حق اثبات الملك له والذي أخبره المخبر بخلاف ذلك لم يثبت عنده حين كان في أكبر رأيه انه كاذب في ذلك ولو لم يقل هذا ولكنه قال ظلمني وغصبني وأخذتها منه لم ينبغ له ان يتعرض لشراء ولا قبول إن كان المخبر ثقة أو غير ثقة والفرق من وجهين أحدهما انه أخبر هناك بخبر مستنكر قان الظلم والغصب مما يمنع كل أحد عنه عقله ودينه فلم يثبت لم بخبره غصب ذلك الرجل بقي قوله أخذتها منه وهذا أخذ بطريق العدوان ألا ترى ان القاضي لو عاين ذلك منه أمره برده عليه حتى يثبت ما يدعيه وإذا سقط اعتبار يده بقي دعواه الملك فيما ليس في يده وذلك لا يطلق الشراء منه وفى الأول أخبر بخبر مستقيم كما قررنا فان دينه وعقله لا يمنعه من التلجئة عند الخوف والثاني ان خبر الواحد عند المسالمة حجة وعند المنازعة لا يكون حجة لأنه يحتاج فيه إلى الالزام وذلك لا يثبت بخبر الواحد وفى الفصل الثاني
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»
الفهرست